أحداث رمادة (19 فيفري – 25 ماي 1958)
خطوة نحو الجلاء التام
فاطمة جراد
المعهد العالي لتاريخ تونس المعاصر
مرت معركة السيادة التي أعلن عن انطلاقها الحبيب بورقيبة في خطابه بتطاوين يوم 18 جوان 1956 مباشرة بعد حصول البلاد التونسية على استقلالها التام، بعدة مراحل وتراكمات ساهمت في إتاحة الظروف الملائمة لإجلاء آخر جند فرنسي عن التراب التونسي يوم 15 أكتوبر 1963. وقد شكلت أحداث رمادة (19 فيفري – 25 ماي 1958)، التي أفضت إلى إمضاء اتفاق 17 جوان 1958 القاضي بجلاء القوات الفرنسية عن قواعدها ما عدا قاعدة بنزرت، خطوة هامة نحو تحقيق الجلاء التام. ورغم أهمية هذه الأحداث في تاريخ تونس المعاصر فإنها ظلت على هامش البحث الأكاديمي ولم تتطرق إليها الدراسات التاريخية إلا عرضا عند تناولها لقضية الجلاء، على عكس ما حظيت به أحداث الساقية[1] ومعركة بنزرت من اهتمام[2]. فقد اختزلت هذه الأحداث، في الذاكرة التاريخية الوطنية، في ذكرى « معركة رمادة » التي يحتفل بها يوم 25 ماي من كل سنة فتخصص لها الصحافة بعض المقالات التي لا تخلو أحيانا من أخطاء تاريخية[3]. وهو ما استحثنا على تناول هذه الأحداث وتتبع تفاصيلها ودورها في جلاء القوات الفرنسية عن التراب التونسي من خلال الاعتماد على مدونة من المصادر المكتوبة والشفوية للمقارنة بينها وتصويب بعض الأخطاء التي شاعت في الروايتين الرسمية والشعبية واجتناب المبالغات وحتى بعض المغالطات علّنا نقترب من الحقيقة التاريخية.
I- نحو إجلاء القوات الفرنسية عن التراب التونسي
- خطاب تطاوين وطرح مسألة الجلاء
طرح الحبيب بورقيبة مسألة الجلاء لأول مرة في الخطاب الذي ألقاه بتطاوين بعد ثلاثة أشهر من حصول البلاد على استقلالها التام وبعد أيام من نجاحه في إخماد آخر معاقل المعارضة اليوسفية في جبال تطاوين أثناء معركتي أقري وغار الجاني في أواخر شهر ماي 1956 بدعم من سلاح الجو الفرنسي، وقال « إن الاستقلال يرمي إلى إجلاء القوات الأجنبية عن أرضنا كما كان الاستقلال الداخلي يرمي إلى الاستقلال التام وإن أول مسألة سنتناولها بالحديث في باريس هي مسألة جلاء القوات الأجنبية عن أرضنا … »[4]. وبذلك يبدو أن الاستراتيجية البورقيبية كانت واضحة فيما يتعلق بالجيش الفرنسي المرابط بالبلاد التونسية. فقد قرر أن وجود الجيش الفرنسي على التراب التونسي لم يعد له موجب. وهو قرار جاء رد وزير الخارجية الفرنسي عنه سريعا إذ صرح أمام الجمعية الوطنية الفرنسية بأن « الجيش الفرنسي لن يخرج من تونس وأن بقاءه بها ضروري لرد العدوان عن الجزائر ولضمان أمن الفرنسيين المقيمين بتونس »[5]. لكن رفض الحكومة الفرنسية لهذا المبدأ لم يثن بورقيبة عن التعبير أكثر من مرة على أن تونس لن تسمح بأن تتخذ فرنسا من أرضها قاعدة انطلاق تساعدها على كسب الحرب الدائرة بينها وبين الجزائر[6].
وقد كان الحضور العسكري الفرنسي بالبلاد التونسية سنة 1956 بحجم 56 ألف عسكري منتشرين في ثكنات ومواقع استراتيجية في كامل التراب التونسي (بوفيشة وبنزرت وصفاقس وقفصة ورمادة وقصر غيلان وبرج البوف وذهيبة ورمادة)، وهو ما شكل تحديا للقوات التونسية وحاجزا نفسيا يمنعها من القيام بمهمتها على الصفة التي يتطلبها السهر على الأمن وحفظ هيبة الدولة التونسية بوصفها مستقلة ذات سيادة[7].
- سياسة تضييق الخناق على تحركات الجيش الفرنسي بالبلاد
ازداد تمسك الدولة التونسية بإجلاء الجيش الفرنسي عن التراب التونسي بعد تأكد محدودية هذه السيادة وإصرار القوات الفرنسية المرابطة بالبلاد على تجاهلها واعتداءاتها المتكررة على حرمة التراب التونسي منذ شهر ماي 1957، وما أدت إليه من خسائر مادية وبشرية واختطاف بعض المواطنين في المناطق الحدودية مع الجزائر حيث كانت تنشط جبهة التحرير الوطني الجزائري وتلقى المؤازرة من الجانب التونسي. مما أجبر الحكومة التونسية منذ 1 جوان 1957 على استخدام حقها في الدفاع الشرعي واتخذت قرارا بمنع تحركات الجيش الفرنسي خارج ثكناته دون ترخيص مسبق وأصدرت التعليمات بمحاصرته بإقامة سدود وحواجز من المواطنين بقيادة الجيش وقوات الأمن وقدماء المقاومين، خاصة بعد أن أعلن وزير الدفاع الفرنسي منذ 28 أوت 1957 « حق التتبع » للمقاومين الجزائريين بالتراب التونسي الذي اعتبرته الحكومة التونسية مسا بسيادتها. كما كثفت من شكاواها إلى الأمم المتحدة التي بلغ عددها 26 شكوى بين سبتمبر وديسمبر 1957 حشدا للرأي العام الدولي لصالحها[8].
كما اتخذت الحكومة التونسية جملة من الإجراءات الأخرى فأصدرت قرارا يمنع الدخول إلى قاعدة بنزرت على كل باخرة عسكرية وقطعت الهواتف الرابطة بين مختلف الوحدات العسكرية الرنسية وأجبرت المعمرين الفرنسيين بالمناطق الحدودية على مغادرة ضيعاتهم ومقراتهم بسرعة لأنها لم تعد قادرة على ضمان أمنهم وأغلقت البعثات القنصلية، وقطعت المواصلات اللاسلكية بين الوحدات العسكرية الفرنسية بتونس والقيادة العسكرية بتبسة[9]. كما أقرت حالة الطوارئ لمدة 3 أشهر بموجب القانون لصادر في 9 سبتمبر 1957 في الولايات الحدودية الغربية[10].
- منعرج الساقية : حشد المتطوعين والدفع نحو التصعيد
كن قصد ساقية سيدي يوسف بواسطة طائرات حربية فرنسية قادمة من الجزائر في 8 فيفري 1958، وما انجر عنه من خسائر بشرية ومادية أدانها بشدة الرأي العام الوطني والعالمي[11]، القطرة التي أفاضت الكأس ونقطة الإعلان عن انطلاق معركة جلاء الجيش الفرنسي عن التراب التونسي. فقد دعا الحزب الدستوري إلى الترفيع من وتيرة حشد المتطوعين لتضييق الخناق على الجيش الفرنسي وإجباره على الجلاء. وهو تواصل لذات السياسة التي تبناها الحزب الدستوري الجديد خلال فترة الكفاح ضد الاستعمار، والتي تقوم على التعبئة الشعبية ثم استثمار تلك التعبئة لإجبار فرنسا على التنازل شيئا فشيئا عن امتيازات وجودها بتونس[12].
وقد مثلت ثكنة رمادة أو برج رمادة كما كان يسمى خلال الفترة الاستعمارية، أحد أهم المواقع العسكرية الفرنسية على المجال التونسي بالنظر إلى الكم العددي للجنود الفرنسيين المرابطين بها (في حدود 600 عسكري سنة 1958 تحت قيادة العقيد مولو Mollot [13] وكذلك لأهمية موقعها الاستراتيجي المشرف على المثلث الصحراوي الحدودي بين تونس وليبيا والجزائر، وبالتالي فإن وجود الجيش الفرنسي بها كان يمثل عقبة أمام الدعم اللوجستي الذي كانت تتلقاه جبهة التحرير الوطني الجزائرية على الحدود التونسية – الليبية.
تكونت تشكيلات المتطوعين من المقاومين القدامى في الخمسينات، على غرار مصباح الجربوع[14] والساسي لسود[15]، اللذين كانا من أوائل من تم استدعاؤهم للمشاركة في حشد المتطوعين نظرا لتأثيرهما الأدبي وقدرتهما على القيادة ومعرفتهما باستعمال السلاح تحت قيادة وحدات من الجيش والحرس الوطنيين حديثي التكوين[16]، كما تم الالتجاء إلى قدماء المجندين بالجيش الفرنسي وإلى المخازنية وبعض اليوسفيين الذين تمتعوا بالعفو أو ممن قضوا فترة في السجن ثم أخلي سبيلهم[17]، إضافة إلى حشد مئات الشبان المتمرسين باستعمال السلاح وخوض المعارك[18].
تم تجميع المتطوعين في مرحلة أولى بمقرات المعتمديات والعمادات ثم بمقر ولاية مدنين. ليقع فيما بعد إلحاقهم بالمراكز المخصصة للحراسة أو « العسة » كما كانت تسمى محليا. وتذكر الروايات الشفوية أن المتطوعين زودوا ببنادق جيدة، لم تكن مجهزة حتى بأحزمة لحملها مما اضطرهم لربطها بحبال[19]، علما وأن الحكومة التونسية تلقت مساعدات أمريكية من الأسلحة في نوفمبر 1957[20]. مما يدل على أنها كانت لا تستبعد الدخول في مواجهات مع الجيش الفرنسي أو في أدنى الحالات الاضطرار للدفاع عن النفس.
لكننا لا نملك رقما دقيقا لعدد المتطوعين ولا لعدد أفراد الجيش والحرس الوطنيين لعدم إتاحة أرشيف الجيش التونسي الخاص بمعارك الجلاء إلى حد الآن. إلا أن بعض الشهادات الشفوية قدرت أعداد الذين رابطوا في لسدود لتطويق رمادة بين 200 و 300 متطوعا قدموا من كامل أنحاء ولاية مدنين[21]. أما الجانب الفرنسي فقد قدرت أعدادهم بـ1000 شخص منهم 400 من المدنيين المتطوعين و 600 من الجيش التونسي[22].
تمترس المتطوعين وقياداتهم من الجيش والحرس الوطنيين في مركزي بئر عمير وواد دكوك (على بعد 40 كلم تقريبا شمال رمادة)، ومنها تم إرسال مجموعات متفرقة من المتطوعين إلى المناطق المتاخمة لرمادة على بعد بعض الكيلومترات لتكوين حزام أمني على الطريق الرابطة بين رمادة وتطاوين شمالا ورمادة وبرج البوف (برج بورقيبة لاحقا) جنوبا في منطقتي كنبوت والبريقا وغيرهما من المناطق الواقعة على مشارف رمادة وقطع الطريق بين مقر قيادة الجيش في الثكنة والوحدة المرابطة ببرج البوف. وقد أكد الشاهدان غرس الله المحضاوي والصادق بن بلقاسم المهداوي[23]، االذان كانا في الصفوف الأولى للمتطوعين أنهما انطلقا مع مجموعة من المتطوعين يقودهم مصباح الجربوع من مقر ولاية مدنين إلى ثكنة تطاوين ومنها نقلوا عبر الشاحنات العسكرية إلى واد دكوك مكان مرابطة المتطوعين والقيادتين العسكرية والأمنية، ومنه تحولا مشيا على الأقدام إلى رمادة حيث قضوا ليلتهم في واد رمادة على مشارف القرية، وفي الصباح كلف مصباح الجربوع مجموعة من 10 أشخاص بمهمة استطلاعية في منطقتي كنبوت وكنيبيت (تصغير لكنبوت)[24] الواقعتين على بعد حوالي 7 كلم جنوب غربي رمادة وإقامة مركز حراسة متقدم في كنبوت على الطريق الرابطة بين رمادة وبرج البوف.
أهم مواقع تمركز المتطوعين
وكانت مراكز الحراسة تتلقى التموين من المواطنين في إطار التضامن الوطني الذي نادى به الحزب الدستوري الجديد، عير مراكز لتجميع التبرعات بالمعتمديات وبمركز ولاية مدنين[25]. وهي عبارة عن معجنات وحليب وخبز وسويق[26].
ويبدو أن الجيش الفرنسي المرابط بالثكنة كان أيضا متحسبا، في ظل التصعيد الذي أبدته الحكومة التونسية، لمواجهات مع الجانب التونسي. فقد ذكر بعض شهود العيان من داخل رمادة أن الجيش قام بحفر الخنادق وتمركز قناصته على أسطح بعض البنايات المقابلة للثكنة وقام عن طريق مضخمات الصوت بدعوة عائلات الجيش إلى الاحتماء داخل الثكنة ومنح الأمان لبقية السكان، وهو ما شكل ناقوس خطر لدى أغلب السكان ومن بينهم المعتمد فعجلوا بمغادرة القرية نحو ذهيبة وواحة العشوش وتطاوين[27]، ولم يبق في المدينة إلا قلة من السكان وبعض الموظفين الذين مكثوا في مواقع عملهم وهو ما أكدته حتى تقارير الجيش الفرنسي[28]. وقد تذمر سكان القرية حسب بعض الشهادات الشفوية من تقصير الحكومة التونسية في مجال الإعلام وتنبيههم بالأخطار المتوقعة[29].
- اندلاع أحداث رمادة (19 فيفري – 25 ماي 1958)
- أحداث 19 فيفري – 18 ماي 1958
على إثر قرار التصعيد الذي اتخذته الحكومة التونسية بعد قصف الساقية بمزيد تضييق الخناق على الجيش الفرنسي، جاء رد فعل القوات الفرنسية برمادة يوم الأربعاء 19 فيفري 1958. فقد قامت وحدات من الجيش الفرنسي في حركة تحد للحكومة التونسية واستعراض للقوة بمحاصرة القرية واقتحام مقر معتمدية رمادة ومركز الحرس الوطني رمزي السيادة التونسية وقطع الاتصالات الهاتفية بين رمادة ومقر الولاية بمدمنين[30]، واقتادت إلى مركطز قيادتها المعتمد وعونين من الحرس الوطني و 10 أشخاص آخرين بدعوى أنهم يرجعون لنظرها ثم قامت بإطلاق سراحهم في الغد[31]. وقد ذكر مدير مدرسة رمادة فيما حبره بالسجل التاريخي للمدرسة يوم 20 فيفري 1958 بأن أهل القرية عاشوا ليلة 19 فيفري حالة من الهلع والترهيب بعد أن تمت محاصرة القرية من قبل الجيش الفرنسي مما أثر على الحالة النفسية للتلاميذ وهو ما اضطره إلى تقديم وجبة من الحليب الساخن حتى يهدئ من روعهم[32]. وقد تواصل هذا الطوق إلى يوم 22 فيفري حيث رفع الحصار على رمادة بعد تدخل الجنرال قمبياز Gambiez قائد القوات الفرنسية على التراب التونسي الذي أمر قواته برمادة بالانسحاب واحترام السيادة التونسية[33].
وفي صباح يوم 18 ماي 1958 وحسب ما ورد في جريدة العمل الصادرة يوم 20 ماي 1958 قرر العقيد مولو فك الحصار المسلط على جنوده بثكنة ومادة. فقد « ادرت تشكيلة من الجيش الفرنسي متكونة من 30 سيارة مصفحة مزودة بالرشاشات وبقطع من المدفعية ثكنة رمادة، محاولة اختراق مركز بئر عمير وتحدي حشود المتطوعين المتمترسين هناك لكن المرابطين بالحاجز منعوها من المرور، ورغم أن هذه العملية لم تسفر عن إطلاق نار فإن القوات الفرنسية قامت باختطاف 6 تونسيين واقتيادهم إلى رمادة. لكنها انسحبت صباح يوم 19 ماي بعد تلقيها تعليمات من قادتها العسكريين بالانسحاب ةتم إطلاق الرهائن التونسيين ». بينما ذكرت تقارير الجيش الفرنسي بأن دورية أمنية للجيش الفرنسي شمال رمادة أوقفت على مستوى بئر عمير من قبل مركز للحراسة يعدّ 8 جنود تونسيين ومنعت من التقدم، فعمد الجنود الفرنسيون إلى تجريدهم من أسلحتهم واقتيادهم إلى رمادة، ثم أطلقوا سراحهم إذعانا لقيادتهم العسكرية التي أمرتهم بضبط النفس وتجنب الدخول في مشاحنات مع الجيش التونسي المرابط شمال واد دكوك احتراما للسيادة التونسية[34]. وهي في اعتقادنا الرواية الأقرب للصحة لأن التقارير العسكرية هي تقارير سرية داخلية تعتمد على الدقة في نقل المعلومات ولم يكن التضخيم الذي ورد في الصحافة الوطنية « الحزبية » في عدد العربات ونوعية التجهيزات إلا من باب المبالغة والدعاية لحشد تعاطف الرأي العام الوطني والعالمي.
ويبدو أن قرار الجيش الفرنسي بتحدي حاجز بئر عمير واحتجاز القائمين عليه، يتنزل في سياق حالة من خيبة الأمل والاختناق اللتين أصبح يعيشها، بعدما صار مهددا بفقدان قواعده الخلفية بكل من تونس والمغرب لدحر الثورة الجزائرية التي عرف نسقها تصاعدا مطردا، كان من نتائجها تمرد جنرالات الجزائر بقيادة ماسو Massu و سلانSalan على حكومة باريس وإعلانهما عن تكوين جبهة الإنقاذ الوطني في 13 ماي 1958 رفضا لإذعان حكومتهم لضغوطات كل من بريطانيا والولايات المتحدة اللتين اختارتا القيام بدور الوسيط بين تونس وفرنسا لتقريب وجهات النظر ومحاولة حل المشاكل العالقة بين الدولتين دبلوماسيا[35]، وحث فرنسا على الاعتراف بحق الحكومة التونسية في جلاء الجيش الفرنسي عن أراضيها. وهو ما رفضه جنرالات الجيش الفرنسي بالجزائر مصممين على عدم التخلي عن « الجزائرالفرنسية » حتى لو اضطروا إلى إعادة احتلال تونس والمغرب من جديد ضمن ما يسمى بعملية « المشذب والمعول » (serpe et pioche) التي برمجت ليوم 25 ماي 1958، وخطط لها أركان الجيش بالجزائر. وقد هدفت الخطة إلى توسيع حرب الجزائر والتحرك على الجبهات الثلاث (تونس والجزائر والمغرب)، لأن المحافظة على الجزائر فرنسي كان مرهونا بحسن مراقبة الحدود الجزائرية التونسية والجزائرية المغربية وهو ما لا يكون إلا بالمحافظة على قاعدة استخباراتية وعسكرية قوية في كل من تونس والمغرب لقطع الطريق أمام جبهة التحرير الوطني ومحاصرتها على التراب الجزائري[36]. وهي استراتيجيا عمدت إليها القيادات العسكرية بالجزائر منذ استقلال تونس والمغرب سنة 1956 باعتبار أن « الهجوم هو أنجع الحلول للدفاع » وفي إطار هذا الشعار تتنزل كل الاعتداءات على المناطق الحدودية انطلاقا من سن « قانون التتبع » لضرب المقاومة الجزائرية في البلاد التونسية، والتي تزايدت بالتوازي مع تنامي تحركات جيش التحرير الجزائري داخل الترابين التونسي والمغربي[37].
ولا شك أن حادث بئر عمير كان أيضا نتيجة سياسة الحكومة التونسية التي عمدت كما صرح بذلك الجنرال قمبياز إلى التصعيد والترفيع من درجة التوتر، إذ عمدت منذ 17 ماي 1958 إلى سحب فرق من الجيش التونسي من مواقعها على الحود وتحضيرها للتدخل في الداخل واستولت على مخزونات الجيش الفرنسي من المعدات الطبية. كما استنفرت قواها لتجنيد المدنيين وركزت صحافتها على رفع شعار الجلاء – التعبئة[38]، وذلك إما لإجبار الحكومة الفرنسية على التفاوض حول إجلاء جيوشها من البلاد التونسية أو استدراج العسكريين إلى إطلاق النار على المدنيين وسقوط ضحايا تستغله الدبلوماسية التونسية لتحقيق إدانة عالمية تشكل ضغطا يجبر فرنسا على التفاوض حول جلاء قواتها[39]. وهو ما أكده لنا أحد الشهود الذين تطوعوا برمادة قائلا بأنهم كلفوا باستفزاز الجيش الفرنسي بمنعه من تجاوز السدود المقامة حول ثكنة رمادة[40].
ما حمل الجنرال قمبياز مسؤولية هذه الأحداث لاستفزازات الحكومة التونسية التي تندرج حسب تقديره ضمن « خطة مسبقة تم تدبيرها في ندوة طنجة التي انعقدت بالاتفاق مع المغرب وجبهة التحرير الجزائرية للتعجيل بإجلاء القوات الفرنسية عن التراب التونسي وتمكين الجبهة من الدعم اللوجستي اللازم على أراضيها تعويضا عن خيبات الأمل التي أصيبت بها هذه الأخيرة على الأراضي الجزائرية. وبالتالي فإن حادث بئر عمير كان مجرد ذريعة لتنفيذ خطة جاهزة[41]. فقد جاء هذا الحادث بعد أيام من انعقاد ندوة طنجة بالمغرب بين 27 و 30 أفريل 1958، التي توجت أعمالها باتفاق المؤتمرين من البلدان المغاربية الثلاثة على التكاتف لمساعدة جبهة التحرير الجزائرية على تحقيق استقلال بلدها بتوفير كل الدعم المادي واللوجستي اللازم لها ولا سيما العمل على إجلاء القوات الفرنسية نهائيا عن المغرب وتونس لإيقاف استغلال تراب البلدين كقاعدة للعدوان على الشعب الجزائري. ويبدو أن هذا التقارب بين البلدان المغاربية مع تبلور مفهوم جديد للوحدة، كان مستفزا للجيش الفرنسي مما جعله يرد الفعل.
ورغم أن أحداث 19 فيفري و 18 ماي 1958 برمادة لم تسفر على مواجهات مسلحة مباشرة بين الطرفين التونسي والفرنسي فإنها ساهمت في الدفع لمزيد توتير الأوضاع واندلاع أحداث مسلحة في رمادة في الليلة الفاصلة بين 24 و 25 ماي 1958. وأعطت دفعا جديدا لعملية الجلاء تجلت من خلال لخطاب التصعيدي الذي ألقاه الحبيب بورقيبة بعد هذه الأحداث والذي خاطب فيه الشعب قائلا « لا بد من الجلاء … إني ألح أن يتم في أقرب الآجال جلاء الجيش الفرنسي عن تونس »[42].
- أحداث ليلة 24 – 25 ماي 1958 أو « معركة رمادة »
أوردت جريدة الصباح في افتتاحيتها ليوم 25 ماي 1958 خبرا تحت عنوان « معركة حامية تدور رحاها في منطقة رمادة كامل الليل »، مفاده أنه على الساعة السادسة بعد الظهر من يوم 24 ماي 1958 حاولت القوات الفرنسية المرابطة برمادة أن تخترق السد الواقع بكنبوت[43]. لكن القوات التونسية المرابطة بالمكان منعت الجنود الفرنسيين من التقدم وحثتهم على التراجع، فامتنعوا وأطلقوا النار على القائمين على حراسة السد فقامت القوات التونسية برد الفعل. وعلى الساعة السابعة مساء تقريبا عمدت تشكيلة أخرى غادرت ثكنة رمادة قاصدة خط كنبوت لنجدة التشكيلة السابقة، بإطلاق النار على المراكز التونسية المنتصبة للحراسة قرب رمادة، فواجهتها القوات التونسية مرة أخرى بالرد على هذا الاعتداء[44]. واستمر إطلاق النار دون أن يتمكن الجيش الفرنسي من اجتياز السد وانسحب بعد أن سقط في صفوفه 4 قتلى وفقد 4 سيارات عسكرية وحجزت سيارتان أخريان. وبعد أن توقف إطلاق النار لوقت قصير جاءت تعزيزات من الجنود الفرنسيين قادمة من برج البوف وأرادت مباغتة القوات التونسية من الخلف، إلا أن مجموعة من المتطوعين أوقعتهم في كمين خسر خلاله الفرنسيون قتيلا و 16 جريحا وعربتين عسكريتين[45]. وقد ذكر المصدر ذاته أن المعركة تواصلت إلى الساعة الثاني من فجر يوم 25 ماي 1958، حيث قامت القوات التونسية بمحاصرة برج رمادة باستعمال قذائف الهاون وأسلحة أوتوماتيكية[46]. ومع الاختلاف في تحميل المسؤوليات لمن بادر بإطلاق النار فقد ذكرت المصادر العسكرية الفرنسية تقريبا نفس الرواية للأحداث، إذ ذكر الجنرال قمبياز في تقريره المذكور سابقا بأن « المعركة انطلقت حوالي السادسة والنصف من مساء يوم 24 ماي لكن القوات الفرنسية لم تطلق النار إلا مع الساعة السابعة مساء عندما تعرضت للرصاص حين كانت بصدد إجلاء سيارة عسكرية تعطلت خلال اشتباك مع مركز حراسة على الطريق بين رمادة وبرج البوف مما دفعها إلى تعزيز حراستها حول الثكنة والمطار، وفي حدود الساعة الثالثة صباحا أصبحت الأوضاع أكثر خطورة حيث تمكن المهاجمون من الاقتراب من الثكنة ومن السيارات العسكرية الفرنسية معززين بقذائف الهاون ». مما اضطر العقيد مولو قائد الجيش الفرنسي إلى إطلاق صيحة فزع إلى رؤسائه ليلة 24-25 ماي 1958 أعرب فيها على أن الأوضاع أصبحت حرجة جدا وأن المهاجمون أصبحوا على بعد 30 مترا من عرباتهم العسكرية[47]، وهو ما أجبر القيادة العسكرية بقابس على إعطاء تعليماتها « بتحرير الطريق إلى رمادة واستعمال كل الوسائل الكفيلة بذلك »[48].
ويبدو أن هناك تقاطعا بين الروايتين الشفوية والرسمية مع توفر تفاصيل أكثر بالنسبة للرواية الشفوية التي تستند إلى شهود عيان وفاعلين شاركوا في هذه الأحداث، دون التغافل عن ضرورة التحفظ والحذر مما يمكن أن يشوب مثل هذه الروايات من ذاتية تصطبغ بروح المبالغة أحيانا. فقد أكد بعض الشهود[49]، الذين كلفوا بحراسة حاجز كنبوت على الطريق الرابطة بين رمادة وبرج البوف، بأن مجموعتهم أقدمت عشية 24 ماي على إيقاف عربات عسكرية كانت قادمة من رمادة ترمي إلى اجتياز حاجز كنبوت وحذرتها من مغبة التقدم لكنها رفضت ففتحت عليها النار مما اضطرها للتراجع. وخشية تطويقهم من الخلف نصب المتطوعون كمينا لسيارات عسكرية فرنسية كانت قادمة من برج البوف نحو رمادة لتقديم العزيزا، وتمت مباغتتها بإطلاق نار كثيف أسفر على عدد من الجرحى والقتلى من الطرفين وانسحب بقية المتطوعين من جديد نحو الجبال المحيطة. لكن الشهود لا يذكرون عدد القتلى أو الجرحى من الطرفين. وتذكر شهادة أخرى[50] أن مجموعة من المتطوعين كانت قريبة من رمادة، عمدت في نفس الليلة إلى محاصرة الثكنة وإطلاق النار نحوها محتمية بمدرسة القرية قبالة الثكنة مما أدى إلى مقتل مدير المدرسة وزوجته وأبنائهما.
وبالتالي فقد تحدثت كل الروايات سواء الرسمية (تونسية وفرنسية) أو الشفوية عن اندلاع سلسلة من الهجومات المسلحة من الجانب التونسي على الجيش الفرنسي في أوقات وأماكن مختلفة طيلة الليلة الفاصلة بين 24 و 25 ماي 1958، كان أهمها الهجوم على رتل من السيارات العسكرية في منطقة كنبوت والهجوم على ثكنة رمادة. ولعل ما يجب تسجيله من خلال هذه الهجومات أنها استعملت أسلوب حرب العصابات لتفادي الالتحام المباشر مع الجيش الفرنسي لعدم تكافؤ موازين القوى بين الطرفين، لذلك فإن الحديث عن « معركة رمادة » يبدو مبالغا فيه شيئا ما لأن المعركة تقتضي الالتحام المباشر بين جيشين نظاميين. زلعل سقوط عديد الضحايا من الجانبين، يعود إلى أن المنطقة لم تكن ملائمة لحرب العصابات لأنها منطقة مكشوفة ومنبسطة وخالية نسبيا من الغطاء النباتي، هذا علاوة على أن الفرنسيين استعملوا القنابل المضيئة لكشف المكان كما ذكر في الشهادات الشفوية.
ورغم جسامة الخسائر البشرية التي تكبدها التونسيون فقد أظهرت هذه الهجومات للفرنسيين وللعالم قدرة التونسيين على تهديد الوجود الاستراتيجي للفرنسيين بتونس باستعمال السلاح، لكنها أيضا أقامت الحجة على تحمس المتطوعين الزائد ودخولهم في مواجهات غير متوازنة مع جيش نظامي يفوقهم عدة وعتادا.
- أحداث صباح 25 ماي 1958
مثل تطويق ثكنة رمادة واستعمال السلاح ضد الجيش الفرنسي في « عقر داره » إهانة تنذر بجدية التهديدات التي أصبحت تداهم الوجود الفرنسي بالبلاد التونسية، وهو م دفع القوات الفرنسية إلى استنفار كل إمكانياتها الدفاعية في محيط البرج والتفكير في استخدام الدفاع الجوي خاصة بعد أن أصبح « المهاجمون التونسيون » مدعومين بالمدفعية على بعد أمتار من الثكنة[51]. وفعلا فقد شهدت المنطقة صباح يوم 25 ماي 1958 قدوم طائرات حربية لقصف القرية فك الحصار على الثكنة، وقد ذكر مصدر عسكري تونسي أنها تنتمي إلى الوحدات الجوية الفرنسية بالجزائر (قاعدة تبسة)[52]. إلا أن الجنرال قمبياز نفى قدوم هذه الطائرات من الجزائر وأقر بأنه أعطى أوامره للجنرال قونبو Gombeau قائد وحدات الجنوب بقابس لقصف رمادة باستعمال طائرات TBM و B26، كما أكد بأنه اتخذ منذ بداية ليلة 25 ماي قرارا يقضي بوضع فيلق المضليين في الجزائر في حالة استنفار للتدخل فجرا، واجتنابا لتدخل قوات من الجزائر فقد رأى استقدام سريتين تتنقلان جوا من بنزرت لتمكين وحدة رمادة من غطاء جوي متواصل طوال اليوم. لكن هذين الإجراءين لم ينفذا بسبب وقف العمليات الذي تم حوالي منتصف النهار من نفس اليوم[53].
طال القصف الفرنسي شعاعا يمتد على 40 كم شمال رمادة طولا وعدة كيلومترات عرضا ووجهت الطائرات نيرانها على الأخص نحو المراكز التونسية الواقعة بكنبوت وبئر عمير وواد دكوك لمدة 5 ساعات[54] تمكن على إثرها الجيش الفرنسي من استرجاع السيطرة الميدانية على المنطقة وتمشيطها في غضون ساعات من انتهاء القصف[55].
- الخسائر المادية والبشرية لأحداث رمادة
تحدثت الصحف الوطنية عن خسائر مادية وبشرية عديدة في رمادة وخاصة في صفوف المدنيين. فقد ذكرت بأن القوات الفرنسية أحرقت عدة مساكن ومستودع قمح مخصصا لحظائر التشغيل المقامة لمكافحة البطالة، واستهدفت عدة مساكن أخرى وأصابت حظيرة للأشغال العمومية وسيارات إسعاف كما قام الجنود الفرنسيون بنهب الدكاكين والمساكن وتخريب مركزي المندوبية والحرس الوطني أثناء عمليات التمشيط. ونصبوا في مدخل القرية مراكز لتفتيش جميع المارين ومصادرة ما يمتلكون[56]. وبصرف النظر عن مدى صحة هذه المعلومات فمن المفيد التذكير أن الصحف الوطنية تكون في الغالب انطباعية وربما تحمل شيئا من التضخيم من أجل الدعاية المضادة. لكن ذلك لا ينفي وقوع خسائر مادية أكدها بعض شهود العيان ممن علقوا بالقرية أثناء الأحداث[57] أو الصحفيين الذين زاروا رمادة في فترة لاحقة[58]، هذا علاوة على أقرته التقارير العسكرية الفرنسية الصادرة مباشرة بعد انتهاء الأحداث برمادة[59].
أما عن الخسائر البشرية فقد ذكرت الإحصائيات الولية الواردة في الصحف الوطنية العثور على 9 قتلى و 5 مفقودين من المدنيين[60]. وقد صرح والي مدنين في لقائه مع الصحفيين الذين زاروا الولاية في بداية شهر جوان بأن « القوات الفرنسية اغتالت مدير المدرسة البشير النبهاني وعائلته وامتنعت عن اطلاعهم على مكان دفنهم، واختطفت معلم المدرسة الذي يرجح بأنه قتل ». كما اتهم الجيش الفرنسي باغتيال عديد التونسيين الذين بقوا بالبلدة ولم يرحلوا عنها »[61] وهو ما أقرته التقارير العسكرية الفرنسية التي اعترفت بقتل مجموعة من التونسيين أثناء تمشيط القرية بعد قصفها بالطيران يوم 25 ماي 1958 وفي الأيام التي تلته[62].
وقد ضمّت القائمة الاسمية لشهداء رمادة الواردة في السجل القومي للشهداء 38 شهيدا[63]، بينما تحدثت المصادر العسكرية الفرنسية عن 58 قتيلا[64]. مما يدل على أن هذا السجل لا يضم كل الشهداء كما أن تاريخ وفاة بعضهم ورد خاطئا ومنهم من كانت وفاته بعد سنة 1958، مما يجعلنا نتعامل بتحفظ مع هذه القائمة. ومع ذلك فإننا نعتبر أن عدد ضحايا أحداث رمادة كان مرتفعا مقارنة بقتلى الجانب الفرنسي وذلك على الرغم من محدودية العمليات العسكرية على المستويين المكاني والزماني.
علقت بعض الأسماء التي قضت نحبها في أحداث رمادة بالذاكرة الوطنية وارتبطت بذكرى معركة رمادة في 25 ماي من كل سنة. وقد تصدّر قائمة هذه الأسماء مصباح الجربوع الذي اغتاله الجيش الفرنسي في بداية الليلة الفاصلة بين 24 و 25 ماي 1958[65]، وقد هزّ اغتياله الرأي العام الوطني باعتباره من أبرز قادة المقاومة المسلحة في الخمسينات ومن الذين تحيّزوا إلى صف بورقيبة إبان الخلاف اليوسفي-البورقيبي. وقد اتفقت جل الروايات التي اطلعنا عليها أن وفاة الجربوع لم تكن في مواجهة عسكرية مباشرة مع لجيش الفرنسي بل أن عربة عسكرية فرنسية داهمته في أرض منبسطة مع رفيقه علي المخلبي واغتالتهما دون أن يطلقا رصاصة واحدة[66]. وقد تم تجريدهما من أوراقهما وأسلحتهما ثم أبعدا عن مكان الاغتيال حيث عثر على الجربوع بعد شهر من اغتياله قرب برج البوف[67]. وقد أخذ اغتياله بعدا أسطوريا في الأوساط الشعبية وبلغ قمة المجد فرثاه الشعراء الشعبيون ونسجت الذاكرة الشعبية نهاية تليق بنضاله حيث شاع بأنه استشهد وهو يحاول التصدي لقصف الطائرات الفرنسية قرب ثكنة رمادة[68]. وهي الرواية التي تنطبق مع الرواية الرسمية ومع مضمون السيناريو الذي تبناه المخرج التونسي عمار الخليفي في شريط « الفلاقة »، الذي أخرجه سنة 1970 تخليدا لذكرى مصباح الجربوع مع إضافة بعض « البهارات » الرومنسية التي تستوجبها الفرجة السينمائية. ومن أشهر القصائد في رثاء الجربوع قصيد للشاعر ضو الأبيض اللملوميقال فيها :
نهار اللي جِتْ وفايته مقريـــــــــة التلفون خبر والكلام انشـــــاد
وجاء لبني خداش تل ضيق عشية ومن الحوايا اصنتوه أفـــــراد
بكت النساء والرجال والذريــــــة حتى صغير السن كيف انـزاد
على قــــايد الثوّار والوطنيـــــــة نهار الخميس كبّوا عليه الحاد
كما هزّ الرأي العام الوطني والعالمي خبر اغتيال مدير المدرسة البشير النبهاني وعائلته ومعلم المدرسة[69] الطاهر بوضرع[70] وهو ما أكده لنا أحد شهود العيان[71]، ممن علقوا بالقرية ليلة 25 ماي 1958 في مبنى الأشغال العامة (برفقة اثنين من زملائه ومعلم المدرسة الطاهر بوضرع). فقد ذكر الشاهد أن مجموعة من المتطوعين حاصروا الثكنة وأخذوا في إطلاق النار من المدرسة المقابلة لها، مما اضطر الجيش الفرنسي إلى توجيه قنابل مدافعه وأسلحة قناصته الذين كانوا يعتلون مبنى الرصد الجوي نحو المدرسة ومحيطها فمات فيها. وهو السيناريو الذي أقر به أيضا العقيد مولو في لقائه مع الصحفيين برمادة قائلا « إن مدير المدرسة كان يطق النيران من المدرسة صحبة بعض الأهالي »[72]. وقد رجح نفس المصدر، أن الجيش الفرنسي لم يكتف بقصف المدرسة وإنما اقتحمها وقام بإعدام المدير وزوجته وأبنائه الأربعة ثم ألقى جثثهم بعيدا في جبل قريب من القرية. وهي رواية تتقاطع مع ما عاينه الصحفيون الذين زاروا المدرسة، إذ أكدوا أنهم « عندما دخلوا إلى المدرسة والدار التي كان يقطنها المدير وعائلته وجدوا قفل الباب محطما والجدران مرشوشة بدمار الرصاص وملوثة ببقاع الدم وأرض الدار مكسوة بالطباشير والتوابل وبقايا الخرطوشّ »[73]. بينما ذكرت التقارير العسكرية بأن النبهاني عثر عليه مقتولا لأنه شارك في الهجوم على الثكنة مع مجموعة من « المهاجمين » الذين تحصنوا بالمدرسة، بينما قتل أبناؤه وزوجته أثناء اقتحام المدرسة بعد استكمال العمليات العسكرية صباح 25 ماي 1958[74].
كان تأكيد اغتيال مدير المدرسة وأفراد عائلته بعد العثور على جثثهم في أواخر شهر ماي هزة قوية للرأي العام الوطني والعالمي[75]. وقد تم تشييع جثامينهم بجرجيس يوم 5 جوان 1958 بحضور عبد الله فرحات مدير الديوان الرئاسي ومحمود المسعدي كاتب الدولة للتربية القومية[76]، الذي أصدر بيانا ينعي فيه المربي الشهيد[77].
أما عن ظروف اغتيال معلم المدرسة بوضرع، فقد أعلنت جريدة الصباح في عددها ليوم 28 ماي 1958 « أنه عومل بصفة وحشية وافتك من طرف الجنود الفرنسيين جريحا ولا يزال إلى الآن في قبضة الفرنسيين » ثم أكدت في عددها الصادر يوم غرة جوان 1958 أن الشهادات الدامغة التي حصلت عليها السلطات التونسية تدلّ على أنه قتل من طرف القوات الفرنسية. وهي الرواية التي أكدها لنا السيد الحبيب بن الخرشي الغرياني[78]، الذي كان برفقة الطاهر بوضرع عند خروجهم يوم 25 ماي من رمادة فارّين باتجاه تطاوين، قائلا « أنهم فوجئوا بحراسة فرنسية في مدخل المدينة تراقب الطريق المؤدية إلى تطاوين، قامت بتفتيشهم، ومن سوء حظهم أنها عثرت على بعض الرصاصات، مما أدى إلى تعنيفه وضربه بالأرجل على مستوى الرأس، مما تسبب له في جروح وسيلان دم من أنفه وقد يكون أصيب بكسور بسبب سقوطه وارتطامه بالأرض. وبعد ساعات عديدة من الإيقاف مع غروب الشمس، قدم نحوهم العقيد مولو وقام بإعادة التحقيق معهم ثم سمح لهم بالمغادرة مع الإبقاء على الطاهر بوضرع الذي كان ملقى أرضا يتخبط في دمائه ومنعهم من اصطحابه ». لكن الجيش الفرنسي الذي أنكر أي علاقة له بمصير المعلم بوضرع، أقر بأنه تمكن من الفرار من رمادة صباح 25 ماي مع مرافقيه[79]، وهي النقطة التي اتفق فيها مع ما ورد في الرواية الشفوية مما يرجح إلى حد كبير صحّة مقتله من قبل الجيش الفرنسي أثناء فراره من رمادة.
أما عدد الضحايا من الجيش الفرنسي فقد وردت عنه معلومات متضاربة : فقد تحدثت جريدة العمل عن سقوط 5 قتلى و 16 جريحا حلال مواجهات ليلة 25 ماي[80] وصرّح والي مدنين عن سبعة قتلى من الفرنسيين و 17 جريحا، لكن العقيد مولو اعترف في تصريحه للصحافة العالمية بإصابة 4 من رجاله منهم قتيلان فقط[81]. مما يؤكد رغبته في التحفظ عن العدد الحقيقي للضحايا، بينما ذكرت التقارير العسكرية بين 6 و8 قتلى و 14 جريحا[82]. ومهما يكن عدد القتلى من الفرنسيين فإن سقوط عدد منهم في مواجهات مع مجموعة من المدنيين والعسكريين التونسيين قليلي الخبرة كان أمرا مهينا لجيش نظامي عريق.
III– تداعيات أحداث رمادة على المستويين الداخلي والخارجي
لقد قدّمت الدماء التي سالت في أحداث رمادة، دفعا جديدا للحكومة التونسية لمزيد التمسك بجلاء القوات الفرنسية عن التراب التونسي واستنفار الجهد لرفع درجة التعبئة الشعبية وحشد الرأي العام الدولي، لدعم قضيتها والتلويح بالأعمال « الدنيئة » التي ما انفك ينفذها الجيش الفرنسي على التراب التونسي.
- التعبئة الداخلية
أسفرت أحداث رمادة على تعميم حالة الطوارئ على كامل التراب التونسي[83] وأصدر الديوان السياسي للحزب الدستوري الجديد بلاغا إلى الشعب التونسي، دعا فيه التشكيلات الحزبية والمواطنين كافة إلى رفع درجة اليقظة بتعبئة جميع القوى الشعبية وتسخيرها للعمل مدة أسبوع كامل أطلق عليه اسم « أسبوع اليقظة ». كما دعا جميع المواطنين إلى الانتباه والتحفّز وإلى الاستعداد للتضحية في سبيل الوطن[84]. وقد تكونت لجان اليقظة في كامل تراب الجمهورية وتوجهت اللجنة العليا لليقظة بنداء إلى المواطنين للمساهمة في التعبئة الشعبية وتقديم الإعانات والتبرعات للجان المحلية لليقظة، تقبلها الشعب بتلبية النداء معبرا عبر المظاهرات وإصدار اللوائح عن استنكاره لما وقع من تعد على حرمة التراب التونسي واستعداده لخوض معركة الجلاء وتعزيز جهود الجيش الوطني بإرسال المتطوعين إلى رمادة[85]، رافعا شعار السلاح – الجلاء[86]. ولشحذ الهمم توجه الرئيس بورقيبة بخطاب لحشود المتظاهرين شدّد فيع على أنه لا تعاون قبل الاستقلال التام وطلب من الشعب الصمود والاستعداد لمعركة الجلاء ووعده بالنصر[87]. ودعت كل المنظمات التي كانت معاضدة للحزب (الاتحاد العام التونسي للشغل، والاتحاد العام لطلبة تونس، والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة، والاتحاد القومي للمزارعين التونسيين، والكشافة التونسية، والاتحاد القومي النسائي)، منظوريها إلى الامتثال لنداء الحزب الدستوري الجديد[88]، كما دعت إلى مزيد تضييق الخناق على الجيش الفرنسي في بقية مناطق البلاد مما أصبح يطرح لديه مشكلة جديّة لتموين جنوده داخل الثكنات[89]. وطالبت وزارة الداخلية كل الرعايا الفرنسيين الموجودين على التراب التونسي بتسليم أسلحتهم الخاصة إلى مراكز الأمن[90]. وبعد مرور أسبوع من بداية اليقظة أصدر الديوان السياسي للحزب الدستوري الجديد بلاغا جديدا يقرّ « بتمديد أسبوع اليقظة لأن سلامة الوطن ما زالت مهددة »[91].
- تعبئة الرأي العام الدولي :
استغلت الحكومة التونسية ما حصل من انتهاكات للتراب التونسي خلال أحداث رمادة لدعم موقفها السياسي ومساعيها الدبلوماسية وحشد الرأي العام الدولي لصفّها. ولم تتوان في التوجه إلى مجلس الأمن والتقدم بشكوى جديدة إلى المنظمة الأممية. وقد كانت آخر الشكاوى بتاريخ 18 فيفري 1958 على إثر أحداث ساقية سيدي يوسف[92] لم تجد طريقها إلى الحلّ بعد. وهو ما يقيم الدليل على إيمان الحكومة التونسية بالآليات الدبلوماسية وبالتحكيم الدولي.
وقد أمرت الحكومة التونسية مندوبها لدى الأمم المتحدة المنجي سليم بطلب اجتماع عاجل لمجلس الأمن لبحث الوسائل الكفيلة بوضع حدّ للاعتداءات المتكررة التي تتعرض لها البلاد التونسية منذ 19 ماي 1958 وتجديد تمسك بلاده بمطلب جلاء القوات الفرنسية عن قواعدها. وقد اتصل هذا الأخير بمعاضدة أحمد المستيري كاتب الدولة للعدل، بهمرشولد (Hammarskjöld) الأمين العام للأمم المتحدة وبرتشي (Ritchey) ممثل كندا بمجلس الأمن ورئيس المجلس في شهر ماي وسلّمها نسخة من المذكّرة التونسية[93]. كما تقدمت الحكومة الفرنسية من جهتها بشكوى اعتراضي ضد تونس مصحوبة بمذكرة تتهم فيها السلطات التونسية بأنها هي التي هيّأت الظروف للاصطدام بين القوتين وأن تدخلها كان مبررا، وعبرت عن تمسكها بالرغبة في حل المشاكل المعلّقة واتهمت الحكومة التونسية بتعطيل المفاوضات منذ أحداث الساقية وطالبت مجلس الأمن بحث الحكومة التونسية على استئناف المفاوضات. وعلى ضوء هذين الشكويين تقرّر انعقاد مجلس الأمن يوم 2 جوان 1958[94].
وفي الأثناء أجرى المنجي سليم أيضا محادثات حثيثة لحشد الدعم الدولي لطلب إجلاء الجيش الفرنسي عن التراب التونسي مع الأمين العام للأمم المتحدة ومرفي (Robert Murphy) المكلف بالمساعي الحميدة من الولايات المتحدة الأمريكية[95] وأعضاء الوفود المشاركة في مجلس الأمن[96]. لكنه عبّر عن عدم ارتياحه للموقفين الأمريكي والبريطاني اللذين صرّحا بعدم تحفّزهما لدعم مسألة الجلاء وتمسكهما بمبدأ المفاوضات[97].
وفي 2 جوان 1958 انعقدت جلسة بمجلس الأمن لتطارح الخلافات التونسية-الفرنسية تدخّل خلالها مندوبا البلدين لاستعراض موقفهما وتصوّرهما للحلول الممكنة. وبعد استعراض موقفي البلدين أعرب المندوبان البريطاني والأمريكي عن موافقتهما على طلب فرنسا الرامي إلى تأجيل المناقشات في مجلس الأمن حتى تتمكن تونس وفرنسا من مواصلة المفاوضات[98].
واستأنف مجلس الأمن مناقشاته يوم الأربعاء 3 جوان 1958 حيث تمسّك فيها الوفد التونسي بمطلب جلاء القوات الفرنسية عن البلاد التونسية كنتيجة حتمية لاستقلالها، بينما أكد المندوب الفرنسي على أن ديغول الذي تولى رئاسة الحكومة الفرنسية في غرة جوان 1958، ينوي الدخول في مفاوضات مباشرة مع تونس. وفعلا تلقى الرئيس بورقيبة قبل ساعات من انعقاد المجلس رسالة عبّر فيها ديغول عن نيته لتسوية الصعوبات العالقة بين البلدين وشروط تحسين العلاقات مستقبلا وأمر القوات الفرنسية المرابطة بتونس بتفادي القيام بأي عمل من شأنه أن يزيد الأوضاع خطورة وطلب تأجيل المناقشة إلى 18 جون.
4- اتفاق 17 جوان وانتهاء الطور الأول من معركة الجلاء
انتهت المفاوضات التونسية-الفرنسية حول مسألة الجلاء يوم 17 جوان 1958 قبل يوم من الموعد المقرر لانعقاد جلسة مجلس الأمن، بإمضاء اتفاق بين الصادق المقدم كاتب الدولة للشؤون الخارجية والقائم بشؤون السفارة الفرنسية بتونس، يقرّ بجلاء القوات الفرنسية المرابطة بالأراضي التونسية عن كامل المنشآت الفنية والعسكرية باستثناء قاعدة بنزرت في ظرف زمني مضبوط لا يتجاوز 4 أشهر وعندما يتمّ الجلاء الكامل عن المنشآت والمراكز التونسية تفتح المفاوضات من جديد بين الحكومتين التونسية والفرنسية بغاية وضع قانون خاص لقاعدة بنزرت. كما تمّ الاتفاق على عودة سفير فرنسا لاستئناف المحادثات مع الحكومة التونسية حول مجموع المشاكل العالقة. وكانت نتيجة الاتفاق أن انعقدت يوم 18 جوان جلسة قصيرة بمنظمة الأمم المتحدة أقرّت الاتفاق التونسي الفرنسي الخاص بجلاء الجيوش الفرنسية عن التراب التونسي ما عدا قاعدة بنزرت التي ستستأنف المفاوضات بشأنها لاحقا[99].
وفي خطوة أولى لتنفيذ اتفاق 17 جوان 1958 أعلن الرئيس بورقيبة في حديثه الأسبوعي بالمهدية يوم 19 جوان رفع السدود باستثناء بعض الحواجز وذلك لمراقبة عمليات الجلاء وإعانة الجيش الفرنسي على الرحيل بمختلف وسائل النقل البري والبحري، وأكّد على ان الجلاء لن يتجاوز غرّة أكتوبر 1958[100]. وقد شرعت القوات الفرنسية في تجميع شتاتها لمغادرة التراب التونسي. وانطلق الانسحاب الفعلي تباعا بدءا بثكنة رمادة في 3 جويلية 1958 وعن قفصة في 21 من نفس الشهر وعن قابس في 20 أوت وصفاقس في 14 سبتمبر تلتها المواقع والثكنات في الشمال[101].
لكن لماذا أذعنت الحكومة الفرنسية لشروط الحكومة التونسية ووافقت على إجلاء قواتها عن التراب التونسي ما عدا قاعدة بنزرت رغم معارضة جنرالات الجزائر ؟
إن أسباب تنازل فرنسا وقبولها بالتخلي عن أغلب مواقعها الاستراتيجية عن التراب التونسي عدا قاعدة بنزرت لا يمكن فهمه إلا من خلال الظرفية الداخلية بفرنسا والظروف الإقليمية والعالمية التي ألقت بظلالها على مسار المفاوضات، والتي يمكن تلخيصها في النقطتين التاليتين:
- اشتداد حرب التحرير الجزائرية بدعم من دول المغرب العربي نتيجة اتفاقات ندوة طنجة وتفاعلاتها على الساحة السياسية الداخلية الفرنسية. وهو ما أدى إلى انقسام الرأي العام الفرنسي بين معارضين لمواصلة التمسّك « بالجزائر الفرنسية » ومؤيدين لاستقلالها. مما دفع بديغول إلى تفضيل التفرّغ لترتيب بيته الداخلي والحفاظ على الوحدة الوطنية بما فيها « الجزائر الفرنسية » والتخفيف من الأعباء الخارجية ولا سيّما على الجبهة التونسية[102].
- الضغوطات الأمريكية والبريطانية التي تمكنت من إقناع ديغول بأن مرحلة الاستعمار التقليدي قد ولّت وأن العالم دخل في حقبة الاستقطاب الثنائي في إطار المعسكرين الشيوعي والرأسمالي، وبالتالي لم يبق لفرنسا إلا القبول بحل وسط يحفظ لها « ماء الوجه » علّها تضمن ولاء الدولة التونسية للمعسكر الغربي، ولا غرو أن شخصية بورقيبة المنحازة إلى المعسكر الغربي وتوجهاته المعادية للشيوعية ساهمت بشكل كبير في تعزيز هذا التقارب بين الدولتين[103].
الخاتمة :
في ختام هذا البحث لنا أن نؤكد على أن أحداث رمادة (19 فيفري – 25 ماي 1958) ساهمت في إنهاء الطور الأول من معركة الجلاء وتحقيق خطوة هامة نحو الجلاء التام، بإمضاء اتفاق 17 جوان 1958 الذي تمّ بموجبه إجلاء الجيش الفرنسي عن كامل المواقع العسكرية ما عدا قاعدة بنزرت. فقد قدمت الدماء التي سالت في أحداث رمادة دفعا جديدا للحكومة التونسية لمزيد التمسك بإجلاء بقايا الجيش الفرنسي عن التراب التونسي واستنفرت مساعيها الدبلوماسية لحشد الرأي العام الدولي لصفّها وتجديد تمسكها بمطلب الجلاء لدى منظمة الأمم المتحدة. كما ساعدت الظروف العالمية والإقليمية الجديدة في تأطير المفاوضات والتأثير فيها بإشراف الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا لحثّ فرنسا على التخلي على جزء من مواقعها الاستراتيجية بالبلاد التونسية للالتفات إلى « مشاكلها الداخلية » مع جبهة التحرير الجزائرية وضمان بقاء الدولة التونسية في صف المعسكر الغربي.
[1] من بين هذه الدراسات التي خصصت لأحداث الساقية نذكر:
BACCOUCHE (H.), L’agression française contre Sakiet sidi-Youssef : Les faits et les suites, Institut supérieur d’histoire du mouvement national Tunis, 2008, 86p.
-اليزيدي (بشير)، « الرهانات والأبعاد في عملية الاعتداء على ساقية سيدي يوسف (1954-1958) »، روافد،عدد 10، المعهد العالي لتاريخ الحركة الوطنية، تونس 2005، ص. ص. 319-333.
[2] نذكر على سبيل الذكر لا الحصر البحوث التالية:
BEN ABDELJELIL (R.), L’évacuation de la base militaire de Bizerte : 1956-1963 : un problème de décolonisation, mémoire de D.E.A., Faculté des sciences humaines et sociales, Tunis 2004.
-ABIS (S.), L’Affaire de Bizerte (1956-1963), Tunis, Sud Editions, 2004.
[3] مثلا في مقال منشور بجريدة الشروق بتاريخ 26 ماي 2007 في الصفحة 10 تحت عنوان « تخليدا لمعركة رمادة » تصدر الصحفي مقاله بتاريه خاطئ للمعركة قائلا : « تعتبر معركة رمادة 26 ماي 1958 من أبرز معارك الجلاء… »
[4] خطب وبيانات الرئيس بورقيبة، كتابة الدولة للشؤون الثقافية والإخبار، 1963، ص. 99.
[5] الدحماني (محمد اصلح)، « دور الجيش في استكمال السيادة الوطنية (1956-1963)، أعمال الندوة الدولية عد 13 حول: استقلال تونس ومسيرة التحرر من الاستعمار، في ماي 2006، منشورات المعهد العالي لتاريخ الحركة الوطنية 2010، ص. 192.
[6] المرجع ذاته.
[7] جريدة العمل، 1 جوان 1958، الندوة الصحفية للباهي الأدغم حول الأحداث التي جدت في الجنوب التونسي ودوافع الاحتكام إلى مجلس الأمن.
[8] جماعي، موجز تاريخ الحركة الوطنية التونسية (1881-1964)، تونس، المعهد العالي لتاريخ الحركة الوطنية، 2008، ص. 177.
[9] البكوش (الهادي)، الاعتداء الفرنسي على ساقية سيدي يوسف: الوقائع والتداعيات، تعريب أحمد العايد ومحمد الحاج، منشورات المعهد العالي لتاريخ الحركة الوطنية 2008، ص ص 49-50.
[10] جريدة العمل، بتاريخ 26 ماي 1958.
[11] الحزب الاشتراكي الدستوري، هل أتاك حديث الساقية؟، 1972، صفحات غير مرقمة.
[12] منصر (عدنان)، دولة بورقيبة : فصول من الإيديولوجيا والممارسة (1956-1970)، كلية الآداب والعلوم الإنسانية بسوسة، مطبعة التسفير الفني صفاقس، 2004، ص 126.
[13] جريدة Le Figaro، بتاريخ 30/05/1958.
[14] ولد ببني خداش سنة 1914 كان يشتغل تاجرا قبل التحاقه بالمقاومة المسلحة إثر اعتقالات جانفي 1952، قاد عدة معارك بجبال الجنوب الشرقي ضد الجيش الفرنسي. عند منح البلاد استقلالها الداخلي سنة 1955 ساند صف الديوان السياسي وقد كلف برئاسة لجان الرعاية في ولاية مدنين توفي أثناء أحداث رمادة في 24 ماي 1958. أنظر : علية الصغير (عميرة) والمنصر (عدنان)، المقاومة المسلحة (1939-1956)، الجزء الثاني، المعهد العالي لتاريخ الحركة الوطنية 2005، ص. 209.
[15] ولد بالحامة سنة 1927 في وسط فقير، التحق بالثورة المسلحة في جانفي 1952، وقد أصبح من أبرز قياديي المقاومة المسلحة. شمل نشاطه في الأول جهة الهمامة بالجنوب ثم الشمال الغربي وعند الخلاف اليوسفي – البورقيبي ساند صف الديوان السياسي. توفي سنة 2000. أنظر : المرجع ذاته، ص. 210.
[16] شهادة أحمد بن علي بن عثمان الزرقاني (من مواليد 16/10/1929)، بتاريخ 30/03/2013 (كان أحد المنتمين للشق اليوسفي خلال الخلاف اليوسفي البورقيبي والمشاركين في معركة أقري وغار الجاني بتطاوين في أواخر ماي 1956).
[17] شهادة غرس الله بن أحمد المحضاوي والصادق بن بلقاسم المهداوي، بتاريخ 16/01/2011، تسجيل أمدنا به السيد الضاوي موسى لفائدة برنامجه « نجوع البادية » على أمواج إذاعة تطاوين.
[18] شهادة احد بن عثمان، المذكورة سابقا.
[19] شهادة غرس الله بن أحمد المحضاوي والصادق بن بلقاسم المهداوي، المذكورة سبقا.
[20] EL MACHAT (S.), Les relations franco-Tunisiennes : Histoire d’une souveraineté arrachée (1955-1964), l’Harmattan, 2005, p. 103.
[21] المعهد العالي لتاريخ الحركة الوطنية، تسجيل عدد 251 (11/9)، شهادة علي بن عبد العزيز الديواني، بتاريخ 26 جوان 2006.
[22] تقرير الجنرال قمبياز حول الأحداث التي دارت في رمادة وقفصة بتاريخ 26 ماي 1958،
http://habibbourguiba.net/index.php/articles-et-documents/iv-la-tunisie-et-la-france/15-rapport-du-general-ganbiez-26-mai-1958
[23] شهادتهما المذكورة سابقا.
[24] اتخذا هذه التسمية لأن شكلهما يشبه الكنبوت أحدهما كبير الحجم والآخر صغير. والكنبوت وعاء كبير مصنوع من أغصان القدّيم المضفورة يكون ضيق الفم يستعمل عادة لحفظ الحبوب.
[25] شهادة الهادي بن سالم بلهيبة (مولود سنة 1932، كان أثناء أحداث رمادة موظف بمقر معتمدية تطاوين)، أمدنا بها الأستاذ الضاوي موسى، بتاريخ أفريل 2013.
[26] السويق أو السويقة: تصنع بطحين الشعير المحمص مع إضافة بعض التوابل وتستهلك بعد أن تعجن بالزيت والماء فتسمى « زميطة » أو تخلط بالماء وتسمى « شربة سويقة ». ساهمت النساء في تحضير السويق وتعبئته في ظبايا (مفردها ظبية: كيس من الجلد الأحمر يحفظ فيه الأكل)، وجمع الاسمطة (مفردها السماط وهو جلد مدبوغ منزوع الشعر يستعمل لحمل الماء) لتسليمها للمتطوعين.
[27] شهادة الحبيب بن الخرشي الغرياني (مولود سنة 1929، كان يعمل بفرع إدارة التجهيز برمادة)، في تطاوين بتاريخ 27 مارس 2013.
[28] Service historique de l’armée de Terre (S.H.A.T), série 2H, carton 2H246, microfilm déposé à l’ISHTC (Bobine S.442), Message radio du commandement supérieur des troupes françaises en Tunisie, évacuation du Remada, mai 1958, n.f.
[29] المصدر ذاته.
[30] S.H.A.T., série 2H, carton 2H247, dossier 2, bobine S.443, Lettre du secrétaire d’Etat aux Affaires étrangères adressée à l’ambassade de France en Tunisie à propos des évènements du 19 mai à Remada, rédigé le 20 février 1958, n.f.
[31] البكوش (الهادي)، الاعتداء الفرنسي على ساقية سيدي يوسف … مرجع سابق، ص. ص. 49-50.
انظر أيضا : جريدة العمل 23 ماي 1958، الحديث الأسبوعي للرئيس بورقيبة، ص. 3.
[32] السجل التاريخي لمدرسة رمادة المحفوظ بالمدرسة المذكورة، السنة الدراسية 1957-1958.
[33] لبكوش (الهادي)، المرجع المذكور سابقا، ص. ص. 49-50.
[34] S.H.A.T., série 2H, carton 2H246, Bobine S. 442, Message radio du Général Gombeau commandant le groupement du sud pour information : tous corps et services à propos d’incident de Remada, Gabès le 22 mai 1958, n.f.
[35] جريدة العمل، 29 ماي 1958.
[36] S.H.A.T., série 2H, carton 2H247, dossier 2, Bobine S. 443, Notes relatives aux perspectives d’avenir de la présence militaire française en Tunisie, rédigées à Salambo le 10 décembre 1975, n.f.
[37] اليزيدي (بشير)، المرجع المذكور سابقا، ص. 324.
[38] تقرير الجنرال قمبياز، المذكور سابقا.
[39] المنصر (عدنان)، المرجع المذكور سابقا، ص. 130.
[40] شهادة أحمد بن علي بن عثمان المذكورة سابقا.
[41] تقرير الجنرال قمبياز، المذكور سابقا.
[42] جريدة العمل، 23 ماي 1958.
[43] عاادة ما يقع ذكر هذا الموقع في المصادر باسم كنبوط والصواب هو كنبوت.
[44] جريدة العمل، 25 ماي 1958.
[45] المصدر السابق، 26 ماي 1958.
[46] المصدر السابق، 25 ماي 1958.
[47] S.H.A.T., série 2H, carton 2H246, Bobine S. 442, Message radio du Colonnel Mollot, commandant du secteur de Remada, sur l’évolution de situation à Remada pendant nuit du 24 au 25-1958, Remada le 5 mai 1958, n.f.
[48] S.H.A.T., série 2H, carton 2H246, Bobine S. 443, dossier 2, Message radio du Général Gambiez, le 23 mai 1958, n.f.
[49] شهادة غرس الله المحضاوي والصادق بن بلقاسم المهداوي، المذكورة سابقا.
[50] شهادة الحبيب الخرشي الغرياني، المذكورة سابقا.
[51] تقرير الجنرال قمبياز المذكور سابقا.
[52] جريدة العمل، عدد خاص بتاريخ 26 ماي 1958.
[53] تقرير الجنرال قمبياز المذكور سابقا.
[54] انظر : جريدة العمل، عدد 26 ماي 1958 و عدد 3 جوان 1958.
[55] S.H.A.T., série 2H, carton 2H246, Bobine S. 442, Chronologie des évènements de Bir-Amir et de Remada, effectuée par colonel Mollot, commandant du secteur de Remada, Remada le 4 juin 1958.
[56] جريدة العمل، 28 ماي 1958.
[57] شهادة الحبيب بن الخرشي الغرياني المذكورة سابقا.
[58] جريدة الصباح، « الصباح يجوس خلال قرية رمادة الشهيدة »، 3 جوان 1958.
[59] S.H.A.T., série 2H, carton 2H246, Bobine S. 442 :
-Compte rendu de recherches de corps du personnel tué dans la village de Remada le 26 mai 1958.
-Rapport du colonel Mollot, Remada le 27 mai 1958, n. f.
[60] جريدة العمل، 29 ماي 1958.
[61] جريدة الصباح، 03 جوان 1958.
[62] S.H.A.T., série 2H, carton 2H246, Bobine S. 442, Rapport du colonel de Dreval effectué le 3 et 4 juin 1958, Remada le 5 juin 1958, n. f.
[62] الحزب الاشتراكي الدستوري، السجل القومي لشهداء الوطن، مطبعة فنون الرسم والنشر والصحافة بدون تاريخ نشر 63.
[64] S.H.A.T., série 2H, carton 2H246, Bobine S. 442, Chronologie des évènements de Bir-Amir et de Remada, op. cit.
[65] جاء في السجل القومي لشهداء الوطن أن مصباح الجربوع استشهد يوم 26 ماي 1958 وفي مراجع أخرى يوم 26 جون 1958 وهو تاريخ العثور على جثته قرب برج البوف. لكن التاريخ الأقرب للصواب حسب الروايات الشفوية هو 24 ماي 1958.
انظر : -الحزب الاشتراكي الدستوري، السجل القومي …، المذكور سابقا.
-علية الصغير (عميرة) والمنصر (عدنان)، المرجع المذكور سابقا، ص. 209.
[66] شهادات : -غرس الله المحضاوي والصادق بن بلقاسم المهداوي، المذكورة سابقا.
-شهادة عمر البارودي (مجموعة بني خداش)، المعهد العالي لتاريخ الحركة لوطنية، تسجيل عدد 214 (1)، شهادة بتاريخ 20-12-2000.
[67] شهادة عمر البارودي المذكورة أعلاه.
[68] المرزوقي (محمد)، الشهيد مصباح الجربوع (1914-1958)، منشورات مكتبة المنار –تونس 1979، ص. 60.
[69] جريدة الصباح، 03 جوان 1958.
[70] ورد تحت مسمّى الطاهر بوذراع في الصحف الوطنية والفرنسية وفي السجل القومي للشهداء وحتى في النصب المخصص لقائمة الشهداء برمادة. وبالرجوع إلى الروايات الشفوية تبين لنا أن اسمه الطاهر بوضرع وهو أصيل منطقة الصمّار- تطاوين.
[71] شهادة الحبيب الخرشي الغرياني المذكورة سابقا.
[72] جريدة الصباح، 03 جوان 1958، الصباح تجوس خلال قرية رمادة ».
[73] المصدر ذاته.
[74] S.H.A.T., série 2H, carton 2H246, Bobine S. 442, Note de service rédigée par le Général de Brigade Gombeau, commandant du groupement du sud, sur les victimes civiles des incidents de Remada, s.d.
[75] جريدة العمل، 30 ماي 1958.
[76] جريدة الصباح، 6 جوان 1958.
[77] جريدة العمل، 30 ماي 1958.
[78] الشهادة المذكورة سابقا.
[79] S.H.A.T., série 2H, carton 2H246, Bobine S. Rapport du colonel Dreval, concernant la découverte et l’envoi au groupement du sud des cartes de néo-destour de l’instituteur Bou Dhrâa et la disparition de cet instituteur, Gabès le 8 juin 1958, n.f.
[80] جريدة العمل، 26 ماي 1958.
[81] جريدة الصباح، 03-06-1958.
[82] انظر : تقرير الجنرال قمبياز، المذكور سابقا.
S.H.A.T., série 2H, carton 2H246, Bobine S. 442, Chronologie des évènements de Bir –Amir et de Remada, effectuée par le colonel Mollot, commandant du secteur de Remada, Remada le 4 juin 1958, n.f.
[83] جريدة العمل، 26 ماي 1958.
[84] المصدر السابق، 25 ماي 1958.
[85] المصدر السابق، 26 ماي 1958.
[86] جريدة La Presse، 27 ماي 1958.
[87] جريدة العمل، 28 ماي 1958.
[88] المصدر السابق، 26 ماي 1958.
[89] جريدة Paris journal، 28 ماي 1958.
[90] جريدة Le combat، 30 ماي 1958.
[91] العمل، 1 جوان 1958.
[92] جماعي، موجز تاريخ الحركة الوطنية … المذكور سابقا، ص. 177.
[93] العمل، 31 ماي 1958.
[94] المصدر ذاته.
[95] جريدة العمل، 27 ماي 1958، ص. 1.
[96] المصدر السابق، 29 ماي 1958.
[97] جريدة Le Monde، 30 ماي 1958.
[98] العمل، 1 جوان 1958.
[99] المصدر السابق، 19 جوان 1958.
[100] المصدر السابق.
[101] جماعي، موجز تاريخ الحركة الوطنية التونسية …، المذكور سابقا، ص. 177.
[102] GRIMAUD (N), La Tunisie à la recherche de sa sécurité, P.U.F., 1995, p. 40.
[103] ABIS (S.), Op. cit., p. 66.
Laisser un commentaire