أزمة الثمانينات : التراجع الاقتصادي
يمكن اعتبار سنة 1982 منطلقا لمرحلة من الصعوبات الجديدة، إذ شهد الاقتصاد التونسي منذ بداية العشرية الثالثة من حكم بورقيبة تراجعا سريعا في أدائه نتيجة تدهور الوضع الاقتصادي العام في العالم. وتشير تقارير البنك الدولي إلى أن هذا التراجع يعود إلى العجز في التحول بالاقتصاد التونسي من اقتصاد ريعي إلى اقتصاد منتج، في ضوء انخفاض العائدات البترولية، وتقلص عائدات الأنشطة التي توفر العملة الصعبة. وزاد الأمر تعقيدا تذبذب القرار الساسي بخصوص معالجة هذا التراجع.
فقد كان هناك اتجاه الحكومة لدى الوزراء المتمرسين بالشأن الاقتصادي، مثل منصور معلى، لمعالجة الأزمة بتطوير الصادرات وتويجه الاستثمارات نحو القطاعات المنتجة. ولكن هذا التوجه كان مناقضا للسياسة السخية التي افتتح بها محمد مزالي فترة حكمه، في إطار البحث عن كسب التأييد الشعبي، والتي دشنها بالزيادة في الأجور، وتسهيل القروض الاستهلاكية ومعالجة مشكلة دعم المواد الأساسية بطريقة عشوائية، ما أدى إلى ارتفاع عجز صندوق التعويض إلى 109 مليون دينار (1984)، ودفع إلى مضاعفة أسعار الخبز ومشتقاته.
وليس هذا فحسب، فقد ازدادت التوازنات الاقتصادية اختلالا نتيجة تقلب أسعار الدولار وتراجع عائدات السياحة، وانجر عن ذلك انخفاض نسبة النمو إلى %2,9، وتراجع نسبة الادخار من 24,4 % من الناتج الداخلي الخام سنة 1981 إلى 16,1 % سنة 1986، مقابل ارتفاع نسبة التداين من 38 % سنة 1981 إلى 58,7 % سنة 1986.
ولم يكن النظام مسؤولا بالكامل عن هذه النتائج التي ترد جزئيا إلى مجموعة متشابكة من الضغوط لا صلة لها بخياراته السياسية، منها : تصاعد التوتر مع ليبيا وما انجر عنه من طرد جماعي للعمال التونسيين، وتراجع أسعار المواد الأولية، ثم انحباس الأمطار وسوء المحاصيل الزراعية.
ومن البديهي أني يثير الأداء المتعثر للاقتصاد التونسي تحفظات الهيئات النقدية الدولية التي اشترطت التعجيل بوضع برنامج عاجل للتكييف الهيكلي للاقتصاد مقابل تقديم الدعم، ولكن تنفيذ البرنامج لم ينطلق إلا عندما تولى رشيد صفر رئاسة الحكومة. وقد استند البرنامج إلى ثلاثة محاور، وهي : الانفتاح الاقتصادي، والضغط على الطلب الخارجي، والخوصصة. وترافق تنفيذ البرنامج بالتخفيض في قيمة الدينار بـ 10 %، والحد من الإجراءات الحمائية، وتحرير الاقتصاد، وإعادة تأهيل المؤسسات الصناعية.
نورالدين الدقـي
(من كتاب : تونس من الإيالة إلى الجمهورية 1814 – 2014)