لقد استغربت من قرار الإبعاد الذي اتخذ بحقي في سبتمبر 1934، ذلك أنه لم تكن هناك مظاهر عدائية من قبل التونسيين باستثناء بعض الاجتماعات العمومية التي كان يعقدها بورقيبة والتي لم أكن أحبذها لا أنا ولا الطاهر صفر ولم أكن أشاطر الطريقة التي يرى بها بورقيبة الأشياء، وفي تلك الفترة كنا نفكر الطاهر صفر وأنا في مغادرة بورقيبة.
وفي برج البوف، قمنا بكتابة رسالة في 15 أفريل إلى الجنرال أزان وأخرى إلى المقيم العام في 10 جويلية والبنسبة للرسالة الأولى أثار بوقيبة بعض الصعوبات، وفرض تحرير محضر جلسة كان يقول إنه سيصلح له لاحقا : أما بالنسبة للثانية فقد وضعته أمام مسؤولياته ووقع الرسالة، واني اعترف ان بعض العبارات المستعملة في مقالاتي بشأن السيد بيروتون كانت قوية، ولكني اعتبرت نفسي دوما ضحية في قضية برج البوف.
إن قيام برلمان تونسي منتخب بالاقتراع العام وسيد جدول أعماله ويتمتع بحق السلطة التشريعية هو شيء غير قابل للتحقيق في الوقت فذلك يعني أن تونس مستقلة تماما.
لقد كان صحيحا انه ومنذ مؤتمر 1937 لم تعد الأمور كما ينبغي مع بورقيبة، ولقد أردت أن استقيل ولكني لم أكن أريد أن أعطى أسلحة للدستور القديم، وكنت معارضا لإضراب 20 نوفمبر 1937، وكان تقرر في ظروف هي كالتالي :
لقد قرر مؤتمر أكتوبر القيام بشيء ما لفائدة المغاربة والجزائريين، وكنت أفكر في أن يقع إرسال برقيات احتجاج ولكني التقيت يوما صالح بن يوسف أو بورقيبة في الديوان السياسي فعلمت أن اجتماعا عقد في اليوم السابق كنت متغيبا عنه وفيه تقرر الاضراب، وقد أكد لي مخاطبي أن الجميع كانوا موافقين، غير اني علمت لاحقا أنه لم يكن لا قيقة ولا الطاهر صفر حاضرين، وان القرار اتخذ فقط من طرف بورقيبة وسليمان بن سليمان وبن يوسف وقد اعلمني الطاهر صفر أنه يعارض هذا لإضراب، وقررت دعوة الديوان السياسي لأطلب منه مزيد التفكير وبالفعل وإذ وعدني بورقيبة بالانتظار والتأجيل لمدة أسبوع لهذا الاضراب، خرجت صحيفة العمل في اليوم التالي بتحديد وهددت بالاستقالة إذا حصل الاضراب، وقد رفض طلبي من طرف الاجتماع باستثناء الطاهر صفر أما البحري قيقة فقد كان متغيبا.
وقد تقرر الاضراب اذن، ولاحظت لهم أن ذلك هو الحلقة الاولى من سلسلة ستقودهم ان يراني مغادرا له أحسن من تعطيل مسيرته وحتى لا أظهر كمن يهرب من أمام مسؤولياته أعلنت أني سأستقيل بعد الاضراب وطلبت عقد اجتماع قريب للمجلس الملي، بعد ذلك تم القيام بمساع ووجهت لي رسائل حتى أتولى رئاسة مجلس اقتصادي كان مزمعا انشاؤه مع ترك رئاسة الحزب بصورة لا تجعل ذلك مؤديا الى تبعات مؤسفة لاستمرارية الحزب وللاسف فان المجلس الملي المجتمع في 17 و18 ديسمبر رفض قبول استقالتي من رئاسة الحزب متعللا بأنه غير مؤهل لتعيين رئيس آخر وأن المؤتمر وحده هو القادر على اتخاذ مثل هذا القرار وقبلت أن أبقى شهرين أخرين ينعقد بعدهما مؤتمر جديدا، واشترطت أيضا أن يتبع الديوان السياسي خلال الشهرين توجها معتدلا غير أن مقالين عنيفين لبورقيبة احدهما تحت عنوان « عدم شعور أن تطرف » عجلا باستقالتي في رسالة عبرت فيها عن الأسباب الحقيقة : عدم اتفاق مع بورقيبة منذ وقت طويل، وجوب وضع حد لسوء التفاهم هذا.
وقد جاني الطاهر صفر ليسألني ما اذا كنت مقررا تشكيل حزب جديد لمواجهة بورقيبة، وكان ذلك مستحيلا بما أن بورقيبة يملك السيارة والمال والوقت، وأجبت صفر بأني لا أفكر في ذلك.
وعندها طلب مني هو وأخرون كتابة رسالة استقالة مزتكزة على حالتي الصحية حتى لا أخلق ظروف انشقاق في الحزب وقال لي الطاهر صفر انه مل هو الأخر وأنه ينوي اتباع الطريق التي اتبعتها.
وبالنسبة للرسالة التي تمدح الديوان السياسي فقد تمت كتابتها وقدمت الي ولم يكن مني الا أن امضيتها واني اشك في أن بورقيبة هو الذي كتبها.
ولقد سألت بورقيبة قبل حوادث 9 أفريل بقليل حول ما نسب اليه من أقوال بشأن الدعوة لعدم دفع الضرائب ومقاطعة الخدمة العسكرية وتدمير وسائل المواصلات وهي أقوال نقلها الى المقيم فنفي أن يكون تفوه بمثل ذلك، أما الآن فاراها مكتوبة.
أما بشأن تقدمي لمظاهرة 8 أفريل 1938 فإني رغم استقالتي بقيت على اتصال بأعضاء في الحزب، وفي 8 أفريل صباحا تلقيت زيارة عدد من الدستوريين في عيادتي بدوا متهيجين جدا واعلموني بأن مظاهرة كبرى ستقوم بعد ظهر ذلك اليوم وانهم سيهاجمون مكاتب صحيفة لاديبيش وانهم لن يترددوا في اقتحام الاسلاك الشائكة أمام الاقامة العامة.
وقد لاح لي الخطر وكنت أعرف أن بورقيبة يلازم الفراش وأن الطاهر صفر متغيب وأن قيقة متواجد بفرنسا وارتأيت أن من واجبي أن اتقدم تلك المظاهرة وكنت أول المتكلمين فطلبت ملازمة الهدوء ودعوت الناس للعودة الى بيوتهم.
وفي يوم 9 أفريل صباحا، دعيت في الحادية عشرة للاقامة العامة من طرف المقيم العام الذي اعلمني بأنه تسامح إزاء مظاهرة الأمس ولكنه إذ علم بمظاهرة أخرى ستنتظم فإنه سيواجهها بكل الوسائل حتى ولو لجأ لفرض حالة الطوارئ.
وقد اقترحت عليه ان أذهب لبورقيبة وهو ما أقدمت عليه وكانت المقابلة غير ودية وكان بورقيبة ملازما الفراش وواجهني بأن الوقت متأخر جدا فالشعب قد أعلمت وأمام إلحاحي لم يتغير موقفه.
غادرت بورقيبة في حدود الرابعة ظهرا والتقيت بشباب أكدوا لي أن البلهوان قد ألقى عليه القبض وأن اضطرابات حصلت أمام قصر العدالة، وعند عودتي إلى عيادتي تلقيت مكالمة من الطاهر صفر يعلمني فيها أن الأمور ليست على ما يرام وه يتمنى إعلان حالة الطوارئ وقد سمعت طلقات النار.
وقد تلفنت للاقامة العام وأجابني السيد « لابورت » بأن الأحداث خطيرة جدا وأنه لا فائدة لي في أن أتقدم المظاهرة وأن أحدا لن يسمعني.