من منع نقل جنازة بورقيبة مباشرة على التلفزة ؟
محمد الماطري صميدة
جريدة الأنوار 23 جويلية 2011
كل التونسيين والي حد الان مازالوا يتساءلون عن سر « تجاهل وتعتيم التلفزة التونسية عن تغطية موت الزعيم الحبيب بورقيبة وعدم بثها لجنازة الراحل مباشرة يوم السبت 8 افريل سنة 2000… ولعلكم تذكرون ان التلفزة وقته أطنبت في عرض اشرطة وثائقية عن الحيوانات والحشرات رغم ان الحكومة التونسية اعلنت الحداد الرسمي مدة سبعة أيام وهو ما اثار وقتها غضب الشعب التونسي واستغرابه وقال بعضهم لو كانت مقابلة كرة قدم لاستنفرت التلفزة كل اجهزتها ولكن ان يموت زعيم كبير مثل بورقيبة فتلك مسالة فيها نظر.. وكان التعليل اسبابا تقنية.. وهذا ما قيل وقتها لكن الامر كان اعمق من ذلك بكثير.
…وكانت التعلات واهية ومن ضمنها الخطورة المحتملة والتي قد تنجر عن التحليق المنخفض للطائرة المروحية التي سيمتطيها الطاقم الاعلامي الفني المكلف بالتقاط الصور وارسالها التلفزي وذلك لمرور الجنازة قرب سور المدينة.
وكان هذا هو التبرير الحقير لمنع بث جنازة الزعيم بورقيبة.. واعطيت التعليمات للجهات الاعلامية المعنية بالتعتيم تلفزيا واذاعيا.
ولكن ميمونة كانت تعرف ربي وربي يعرف ميمونة كما يقال في امثالنا الشعبية.. فقد خلد الزعيم في القلوب وملت بن علي فدفن الزعيم في تونس وربما بن علي لن يتحقق له ذلك ابدا… وان للتاريخ حلقات وعبر والعبرة لمن يعتبر.
ومن الاشياء التي شدتني كثيرا وعميقا استشعار الزعيم بورقيبة موت الماجدة وسيلة بورقيبة التي كان يحبها كثيرا وبقي 3 ايام لا ياكل ولا يشرب شعورا بدنو ساعتها.
فقد كان الزعيم بورقيبة يحب الماجدة وسيلة بورقيبة حبا جما وكان يبالغ في تدليلها ولكنه كان يرفض ان تتدخل في شؤوي الدولة.
ومنذ ان طلق الزعيم وسيلة في 11 أوت 1986 لم يتكلم مرة في هذا الشأن الخاص من حياته ولم يتعرض اليه البتة ولكنه كان يستغرق في تاملات صامتة لا يعرف كنهها احد سواه. وفجأة وذات يوم التفت الى الوالي السيد محمد الحبيب براهم وسأله على خلاف العادة « هل اشعرك سفيرنا بباريس بموعد وصول وسيلة الى مطار المنستير؟ » سأل بورقيبة الوالي بشوق كبير وغير معتاد وأردف « لقد اخبرني سي الهادي المبروك ان فترة علاجها انتهت وانا في انتظارها ».
ولم يتكلم الوالي.. وتساءل بينه وبين نفسه.. ماطا سيقول لبورقيبة.. هل يقول له ا نسي الهادي لم يعد سفيرا؟ وهل يقول له انه قد طلق وسيلة ؟ وهل لو قال له ذلك فكيف ستكون ردة فعل بورقيبة؟
صمت الوالي لكن بورقيبة قال له « متى سترافقني الى المطار لاستقبال وسيلة انا في شوق للاطمئنان عليها؟ » وتماسك الوالي نفسه ثم خطر له ان يكذب كذبة بيضاء على بورقيبة ومفادها ان فترة علاج وسيلة ستمتد بعض الوقت وبذلك تاجلت عودتها.
ونظر بورقيبة الى الوالي وظل مطرقا لحظات ثم ظهرت عليه علامات الاسى الا انه تماسك وواصل التأمل في الافق البعيد وانسحب الوالي.
..ولم يستوعب الوالي ذلك الا بعد ايام قليلة عندما امتنع بورقيبة عن الطعام بلا مرض ولا شكوى سوى انطواء وصمت رهيب وسرحان عجيب وتامل في الافق البعيد ودون ابداء اية حاجة لام راو طلب فلعل الروح نفذ اليها ذلك السر الرباني وربما ليعلمه بامر من الامور والنفوس تنقبض عادة لأي طارئ قبل ان يحدث في المستقبل المنظور ومن يدري؟.. فلقد صدرت الجرائد تنعى وفاة الماجدة وسيلة بورقيبة. في نفس ذلك الاسبوع الذي ذكر فيه بورقيبة الماجدة لاول مرة منذ طلاقها منه.. وقال بعض المقربين من الزعيم انه لحظة ان سمع بوفاتها اجهش بالبكاء.. فحتى الزعماء الكبار لهم عاطفة جياشة وقلوب تخفق بشدة في لحظات الوداع الاخير؟