مذكرة المقيم العام الفرنسي بتونس
إلى وزير خارجية باريس إيفون ديلبوس
حول لقائه مع الشيخ الثعالبي
تونس 31 جويلية 1937
يشرفني بعد برقيتي تحت عدد 24 المؤرخة في هذا اليوم والتي تعتبر جوابا على إرساليتكم عدد 318 أن أحيط سعادتكم بالظروف التي دفعتني إلى قبول الشيخ الثعالبي بالمرسى.
فبعد اللقاء الذي جمعني به بحضور زعماء الدستور الجديد والذي سبق أن خاطبتكم في شأنه، يقيت ساعيا لإقامة محادثة أكثر خصوصية مع الشيخ على انفراد. وهذا الأخير لا يبدو شخصية يمكن تجاهلها في العالم الإسلامي. وقد استقبل في تونس في ظروف تبرز أنه سيكون على مدى فترة على الأقل متمتعا بشيء من التأثير. ومن المهم أن نعرف خدمة من سيتحرك ولمن سيتجه تأثيره، بالصورة التي تحدد ما إذا كان الشيخ الثعالبي يمكن أن يخدم أي دولة أوروبية.
ومن جهة أخرى فقد جاءني الوزير الأول التونسي ليعلمني أن أقاويل سارية تفيد بأن الشيخ الثعالبي ينوي القيام بزيارة لباي الأمحال (ولي العهد) الذي كان ابنه قد شارك في استقباله عند حلوله بتونس عائدا لها، دون أن يعلن أنه ينوي زيارة سمو الباي الذي لم يكن قد أرسل أي كان لاستقباله. وقد تأثر سمو الباي لهذه الأقاويل وطلب الوزير الأول التدخل لإفهام الشيخ الثعالبي بواجب الذهاب في زيارة الباي.
وبعد مشاورات مع شخصيات من أوساط العاصمة تونس لتقرير أفضل طريقة للإتصال بالشيخ الثعالبي، قررت أن أقوم شخصيا برؤيته. وأرسلت إليه السيد حسونة مدير التشريفات بالإقامة العامة لدعوته للحضور في الثامنة مساء بالمرسى لإجراء محادثة خاصة.
وقد وصل فعلا بعد تأخير لم يستمر سوى بضع دقائق وكان مرفوقا بشابين اثنين : ابنه وابن أخيه وكلاهما عون صيدلي.
وقد جرت بيننا محادثة استمرت ساعة أو أكثر تولى خلالها السيد حسونة الترجمة.
وبعد اعتبارات عامة عن الإسلام وعن مصر تطرق محدثي بكثير من الفخر للتقدير الذي حظي به من قبل الشخصيات الكبرى قبل أن تنحى المحادثة إلى مجالات أكثر دقة.
وقد صرح لي الشيخ أن شعوره يجعله يعتقد أن فرنسا هي التي يمكن أن تلعب الورقة الإسلامية أفضل من أي دولة أخرى وأنها هي التي يمكن أن تتفاهم مع الإسلام. وأضاف إن محاولات إيطاليا للتقرب من الإسلام لا تبدو له نزيهة كما إن طبيعتها لا تجعل لإيطاليا نفزذا أو تأثيرا كبيرين. وعبر لي عن رغبته للسفر إلى فرنسا في شهر سبتمبر قصد طرح مقترحاته بهذا الشأن على الحكومة الفرنسية في ما يخص السياسة الإسلامية.
ثم ضاق الحديث بعد ذلك ليتعلق بتونس وحدها، وقد سألت الشيخ عن نواياه بشأن زيارة الباي، فأكد لي أنه لا ينوي القيام بمثل تلك الزيارة، وذلك لتأثره من أن الباي لم يرسل أحدا لاستقباله عند عودته للتعبير له عن تمنياته بتلك العودة. وعندما عبرت له بأن على أحد أفراد الرعية أن يقوم بالخطوة الأولى أجابني بأن ذلك كان ممكنا لولا علاقات الصداقة التي سبق أن ربطته بالباي قبل جلوسه على العرش، ورغم ذلك وعندما أحطته علما بالتعاليق الغير ملائمة التي يمكن أن تنتج عن امتناعه عن الزيارة غير رأيه تبعا لنصيحتي وقرر طلب مقابلة سمو الباي.
وقد انتهزت الفرصة لأسأله عن الموقف العام الذي كان يريد اتخاذه، وذكرته بأن تصريحاته الأولى في حديقة قمبتا كانت مؤسفة، وأني لم أكن أرى الفائدة أو المصلحة وهو على ما هو عليه من سن وعمق تجربة من أن يظهر كثوري، بينما ألقابه وسمعته وما يتمتع به من تقدير في كل الأوساط تجعل منه رجلا يكون له تأثير إيجابي.
وقد جدد بصورة محسوسة التصريحات التي جاءت في البلاغ حول المقابلة الرسمية مؤكدا لي أنه مستعد للتعاون حول سياسة من شأنها المساهمة في رفع شأن مواطنيه.
وكانت الساعة تشير على التاسعة والنصف مساء، وقد دعوت الشيخ إلى عدم الذهاب والبقاء للعشاء، فقبل ذلك مرحبا، وهكذا جلس إلى مائدتي مع ابنه وابن أخيه، كما بقي السيد حسونة أيضا. ومنذ ذلك الحين لم يعد حديثنا يحمل أي اهتمام سياسي.
Laisser un commentaire