في ذكرى اغتيال صالح بن يوسف
تمر بنا هذه الأيام الذكرى 53 لحادث اغتيال صالح بن يوسف وتحديدا في يوم 12 أوت من سنة 1961 ويعاد السؤال القديم : من قبل بن يوسف ؟ وهل تورط بورقيبة فعلا في حادثة الاغتيال ؟ وهل كان هو من أمر وأعطى الإذن بذلك ؟
ورغم أن الرواية المعروفة والمتداولة تقول إنه في صيف سنة 1961 غادر صالح بن يوسف القاهرة صحبة زوجته متجها نحو ألمانيا للتداوي وبعد حوالي شهرين وتحديدا في يوم 11 أوت وبينما كان يتهيأ للسفر إلى غينيا لحضور مؤتمر الحزب الديمقراطي الغيني بدعوة من الرئيس أحمد سيكو توري اتصل به ابن أخت قريبه البشير زرق العيون وأبلغه أن خاله البشير زرق العيون يرغب في لقائه من أجل ترتيب لقاء بينه وبين الزعيم بورقيبة فوافق على الفكرة وتم الاتفاق على الساعة وعلى الفندق وهو فندق رويال في فرانكفورت الألمانية. ولما وصل صالح بن يوسف في الموعد المحدد صعد الغرفة أين وجد ابن أخت البشير زرق العيون ولم يجد هذا الأخير ولما استفسر عن غيابه أجابه بأنه في الطريق إلى الفندق فجلس صالح بن يوسف على كرسي ينتظره وفجأة خرج رجلان من غرفة الحمام التي كانت خلفه وأطلقا عليه طلقات من مسدس كاتم للصوت، فأردياه قتيلا واختفيا عن الأنظار وقد اتضح فيما بعد أن البشير زرق العيون هو من دبّر ورتب هذا الاغتيال وأن من نفذ الاغتيال كانا ضابطين من الجيش التونسي وهما محمد الورداني وعبد الله بن مبروك.
أن الرواية التي صرح بها الطاهر بلخوجة تستحق أن ننتبه إليها وتستحق أن نوليها عناية كبيرة وهي رواية رواها سنة 2001 ونشرتها مجلة حقائق في عدد 799 بتاريخ 25 أفريل 2001 بمناسبة حوار أجرته معه.
يقول الطاهر بلخوجة لقد عاشت البلاد في وسط الخمسينات على وقع فتنة مدمرة وبوادر حرب أهلية بين أنصار بورقيبة وأنصار بن يوسف وبالتزامن مع ذلك حصلت اغتيالات على يد عصابة اليد الحمراء ذهب ضحيتها الكثير من التونسيين وحصلت محاولات لاغتيال بورقيبة كان وراءها بعض اليوسفيين مثل محاولة اغتياله بمناسبة زيارته لمركز الطفولة سنة 1957 وحادثة المسرح البلدي في سنة 1957 وحادثة أخرى بعين دراهم سنة 1958 كما حصلت اضطرابات كثيرة كان المتسبب فيها في جانب كبير من جماعة بن يوسف. فبعد سفر هذا الأخير مع الطاهر الأسود إلى مصر ثم إلى ليبيا، وقد كان البعد العسكري حاضرا في سياسيتهما، التحق اليوسفيون بالجبال وبمناطق أخرى وحدثت تفجيرات يذكرها كل من واكب ذلك الصراع وقد كان ردّ الحزب وقتها قويا وعنيفا تشهد على ذلك أحداث «سباط الظلام» الموجود في منطقة باب بنات بالعاصمة وهي تصرفات مثلت نقطة سوداء في تاريخ الحركة الوطنية وأسود ما عرفته تونس. فبورقيبة لم يكن على حق مطلق وكذلك بن يوسف لم يكن على حق هو الآخر ولكن ما رجح كفة بورقيبة فيذلك الصراع هو أن كبار السياسيين من أمثال الطيب المهيري والمنجي سليم ومحمد المصمودي وأحمد المستيري… وقفوا مع بورقيبة وساندوه.
بخصوص حادثة الاغتيال فقد ذكر الطاهر بلخوجة تفاصيل مختلفة عما هو معروف في الكتب التي أرخت للحركة الوطنية حيث ذكر أن لا أحد اليوم بإمكانه أن يجزم أو يؤكد أن بورقيبة هو من كان وراء عملية الاغتيال وذكر أن الصادق بن حمزة هو الذي نظم اللقاء بين البشير زرق العيون والطالب بن تربوط وأن عبد الله الورداني هو من نفذ العملية.
وحجة مسؤلياته بوزارة الداخلية من سنة 1967 لم يشعر لحظة واحدة أن بورقيبة تحركه عقلية الاغتيال أو يأمر بذلك. ورجح أن يكون اغتيال بن يوسف هو تصرف وتجاوز مفرط من الحاشية التي كانت تحيط ببورقيبة لكن الثابت أن بورقيبة تبنى العملية بعد وقوعها واحتضن القتلة وهذا موقف يعد خطأ سياسيا من قبل زعيم وبالنسبة لزعيم مثله فالحاشية التي كانت تحيط به كانت منفلتة ومتهورة.
فعلى إثر احتدام الصراع والخلاف بين الحكومة واتحاد الشغل في أواسط السبعينات أخرج الورداني في سوسة مسدسه ووضعه فوق الطاولة وقال :«هذا المسدس الذي قتلنا به صالح بن يوسف يمكن أن نقتل به الحبيب عاشور. مما زاد الأزمة توترا سنة 1977 ألقى عليه القبض فورا عندما كنت مديرا للأمن وأفرج عنه دون محاكمة» بعد إقالتي في ديسمبر 1977. وقد تبين أن الصادق بن حمزة كان ضمن عديد المؤامرات إذ تبين أن له علاقات مريبة وكان محميا من أعلى مستوى في وزارة الداخلية.
ورجعنا إلى ما قاله الطاهر بلخوجة حول الإغتيال لأننا نعتقد أنه أحد الوزراء الذين خدموا الدولة بمعنى أنه أحد الذين عايشوا ذلك الصراع المدمر بين الزعيمين وكانوا على قرب من أحداث البلاد المؤثرة. وهي شهادة تحتاج إلى مناقشتها وحاورتها والاهتمام بها خاصة وأنها جاءت مخالفة في بعض تفاصيلها لروايات كثيرة عن حادثة الاغتيال والتي نجدها في مؤلفات عديدة على غرار الرواية التي يذكرها الكاتب الصافي سعيد في كتابه «بورقيبة : سيرة شبه محرمة».