خطاب عبد العزيز بوتفليقة

النص الكامل لخطاب السيد عبد العزيز بوتفليقة

بعد توقيع معاهدة الأخوة وحسن الجوار

 

نشر فيما يلي النص الكامل للخطاب الذي ألقاه اليد عبد العزيز بوتفليقة ردا على خطاب السيد الحبيب بورقيبة الابن إثر التوقيع على معاهدة الأخوة وحسن الجوار واتفاقيات التعاون.

سيادة الرئيس، أصحاب المعالي، أخي العزيز، قد يكون من المباح لكل جيل أن يرغب في صنع عالم حسب أحلامه، أو في اصطناعه وفق أهوائه، فيكفي جيلنا شرفا أن يعمل جادا على منع هذا العالم من التلاشي والانفكاك، ويحترم موعده مع التاريخ، فيفي بعهده المزدوج باسترجاع الاستقلال الوطني من جهة، وإرساء قواعد المغرب العربي الكبير، من جهة أخرى.

وطبعا لم يكن هذا الهدف المزدوج ليتحقق بين عشية و ضحاها، خاصة وقد التزمنا بالاختيار الصعب المجدى في حل مشاكلنا من حيث كل من جوهر هذه الحلول و أشكالها.

معالي الأخ،

إن عظمة الحدث الذي نحياه في هذه اللحظة الملحوظة من تاريخ مغربنا الكبير، وما يكتنفنا من أمواج المشاعر، لأمور كلها تجعل المرء قاصرا عن التعبير، مهما غالبه من رغبة البيان والإفصاح.

لقد حدث أن التقينا مرارا في تونس، و الجزائر، وفي مختلف ……… يجمعها إلا القليل، فما أحرى بدول المغرب العربي، وهي التي يصل بينها ما يصل من أسباب التجمع وعوامل الوحدة، بأن تأخذ بهذه الحقائق، وتسلك هذا السبيل.

وهذا الوضع الجديد في العلاقات المغربية سيدعم إرادتنا في وجوب إبعاد كل ما من شأنه أن يتسبب في خلق التوتر وافتعال الأزمات في حوض البحر الأبيض المتوسط، الذي يرتبط به مصيرنا، كما سيساعدنا على تنسيق جهودنا لجعل هذه الديار بمعزل عن الصراع الدولي وسياسة مناطق النفوذ، بحيث تكون همزة وصل وتفاهم بين الدول المطلة على هذا البحر، فتصبح ربوع سلم و طمأنينة ومصدر إشعاع واستقرار.

أخي العزيز،

إن ما أنجزناه اليوم، مع احترامنا لاختيارات كلا البلدين، لمن شأ،ه أن يساعدنا على تنسيق الجهود في المجال الدولي مع الأشقاء والجيران، لإبراز دور المنطقة كعامل فعال له وزنه في الصراع من أجل نصرة الحق والقضايا العادلة، والمساهمة في تدعيم الأمن العالمي، وتوثيق التعاون بين الأمم، وتعزيز القيم الإنسانية العليا سيما وأن بناء المغرب العربي ليس غاية في حد ذاته، بل هو مرحلة حتمية لإقامة وحدة عربية ……..الأخوية وطلب منه إبلاغ الرئيس الحبيب بورقيبة تمنيات الرئيس هوارى بومدين الحارة بالشفاء الكامل والعاجل، وفي نفس الوقت دعوته إلى القيام بزيارة رسمية للجزائر.

وجدد الوزير الأول من ناحيته ونيابة عن رئيس الجمهورية التونسية للسيد عبد العزيز بوتفليقة الدعوة التي كانت وجهت للرئيس هوارى بومدين قصد القيام بزيارة رسمية للجمهورية التونسية وقد عبر السيد الباهي الأدغم عن أمنية الرئيس بورقيبة والحكومة والشعب التونسي في أن تتم هذه الزيارة الميمونة في أقرب الآجال.

وقد أعجب الوفد الجزائري أيما إعجاب مدة إقامته بالخطى الحثيثة التي قطعتها تونس في مختلف ميادين النشاط القومي.

وفي هذا المضمار حيى السيد عبد العزيز بوتفليقة الجهود المتواصلة التي يبذلها الشعب التونسي بقيادة الرئيس بورقيبة المتبصرة والرامية إلى تحقيق أهداف التنمية الاقتصادية ورفع مستوى الإنسان.

وأثناء المداولات التي دارت في جو ودي تسوده الثقة والأخوة المصادقة شرع وزيرا الخارجية في درس العلاقات الثنائية درسا عميقا وفي تبادل الآراء حول مختلف المشاكل الدولية.

وفي الميدان الثنائي لاحظ الوزيران بكل غبطة أن المحادثات المتعددة وذات الأهمية الكبرى التي دارت في نطاق تبادل الزيارات بين كبار المسؤولين التونسيين والجزائريين أدت إلى إقامة حوار مستمر ونزيه وإلى خلق جو من التفاهم الكامل المتبادل في العلاقات التونسية الجزائرية.

وأكد الوزيران في هذا السياق عزم حكومتيهما المشترك على بعث تعاون متين بين البلدين وفي كل الميادين يستجيب لا فقط لمعطيات الروابط التاريخية …….الأخوة وحسن الجوار والتعاون والاتفاقيات التي تقر بصفة نهائية الحدود المشتركة بين البلدين والتي كان من نتائجها حسم الخلاف الذي شجر بشأن الحدود تولى وزيرا الخارجية توقيع الاتفاقيات التالية التي تضبط الإطار القانوني للتعاون المزمع بعثه بين البلدين:

        اتفاقية متعلقة بإنشاء لجنة مشتركة بين الحكومتين للتعاون الاقتصادي والثقافي والعلمي والتقني.

        اتفاقية بشأن وضعية الأشخاص والمكاسب

        اتفاقية بشأن الأراضي والممتلكات الفلاحية الراجعة للرعايا الجزائريين بالجمهورية التونسية.

        اتفاقية بشأن التعاون المالي

        اتفاقية بشأن التعاون في مجال الوقود السائل.

        اتفاقية بشأن التعاون في ميداني التصنيع والسياحة

        اتفاقية بشأن الشركة التونسية للتأمين وإعادة التأمين وعبر الوزيران عن اقتناعهما بأن روابط التعاون المتجددة والمتعززة بين تونس والجزائر تسجل مرحلة هامة في سبيل بناء المغرب الكبير الذي يندرج في اتجاه التاريخ المشترك بين كافة أعضائه والذي أصبح اليوم ضرورة حيوية في عالم بات فيه تأليف المجموعات الاقتصادية لا فقط المسلك الوحيد نحو تنمية مجدية ومثمرة أكثر من سواها بل كذلك أساسا وضمانا للسلم وللوفاق بين الأمم، وكذلك اتفق الوزيران على إقامة صرح المغرب تشكل عنصر تقارب و دعم لما بين مختلف أجزاء العالم العربي من روابط.

وفي هذا المجال أكد الوزيران ضرورة بعث الحياة من جديد في المؤسسات المغربية تعجيلا لإقامة تعاون أوسع آفاقا في نطاق المغرب الكبير باعتباره عنصرا فعالا لبعث الازدهار وضمان السلامة لكل أعضائه.

وعبر الجانبان من جهة أخرى عن ارتياحهما العميق للعهد الذي يجب أن تسير على العلاقات بين الدول.

وأكد كذلك من جديد تمسك البلدين بميثاق الأمم المتحدة وبالمبادئ المدرجة في ميثاق جامعة الدول العربية وفي ميثاق منظمة الوحدة الافريقية بالإضافة إلى احترامها لمبادئ السيادة القومية والسلامة الترابية وحرمة الحدود القائمة بين البلدين وعدم التدخل في شؤون الدول الاحجام عن الالتجاء إلى القوة لتسوية النزاعات الدولية وحق كل شعب في اختيار مسلكه بكل حرية لتنميتة الاقتصادية والاجتماعية.

وأكد الوزيران رغبة الحكومتين في مواصلة دعم كل الجهود الرامية إلى التخفيف من حدة التوتر الدولي وإلى إنهاء التسابق إلى التسلح وإلى الحفاظ على السلام والأمن في العالم، وأعربا من جديد عن تعلهما بسياسة عدم الانحياز مؤكدين إرادتهما الرامية إلى الإسهام في الجهود المبذولة من أجل التحرير السياسي والاقتصادي لشعوب العالم الثالث وذلك تيسيرا لانبعاث عهد قوامه السلام والتعاون الدولي.

وقد سمح بحث الحالة الدولية للوزيرين بالوقوف على اتفاق واسع النطاق لوجهة نظرهما حول أهم مشاكل الساعة.

ودرس الوزيران ما آلت إليه التطورات الأخيرة لأزمة الشرق الأوسط الناشئة عن المظلمة الصارخة التي ذهب الشعب الفلسطيني ضحية لها منذ ما يزيد عن العشرين عاما وعن احتلال الأراضي العربية من طرف قوات العدوان الاسرائيلية فاستنكرا الظاهرة الاستعمارية البادية من تصرفات الصهاينة وسياستهم العدوانية والتوسعية التي تمثل تحديا متواصلا للضمير العالمي.

وأكدا من جديد في هذا المجال تأييد البلدين المطلق للكفاح البطولي الذي يخوضه الشعب الفلسطيني من أجل استرجاع سيادته وكرامته، و عزم البلدين الراسخ على المساهمة في تعزيز …..العربية التي كانت ضحية للعدوان الصهيوني في جوان 1967 باستعادة الأجزاء المحتلة من ترابها.

وتعرض الوزيران إلى الوضع الباعث على القلق في البحر الأبيض المتوسط فأشارا إلى ضرورة الحفاظ على الأمن والسلام في هذه المنطقة بإبقائها في معزل عن الصراع من أجل النفوذ وبالتخلص من كل عناصر التوتر في المنطقة حتى يبقى ذلك البحر بحيرة سلام وأمن للبلدان المحيطة به.

وندد الوزيران مرة أخرى باستمرار القهر الاستعماري والعنصري بالقارة الافريقية مؤكدين عزم الحكومتين على السعي بكل ما لديهما من وسائل بغية نصفية الاستعمار نهائيا والقضاء على النظم العنصرية التي أقامتها الأقليات بالقارة الإفريقية.

وبحثا المأساة المماثلة في الحرب المتواصلة في فيتنام وأبديا أملهما بأن يستقر السلام في تلك المنطقة المنكوبة على أساس حق شعب فيتنام في تقرير مصيره وذلك في كنف السيادة الكاملة.

وأبدى الوزيران ابتهاجهما لهما بدعم التفاهم الأخوي الكبي القائم بين البلدين الشقيقين وبتعزيز روابط الأخوة والثقة التي تصل بينهما واتفقا على تبادل الاستشارات في المستقبل بصفة منتظمة وذلك لخير البلدين.

وعبر السيد عبد العزيز بوتفليقة باسم سائر أعضاء الوفد الجزائري عن شكره الحار للحفاوة البالغة التي خص بها الوفد الجزائري طيلة مقامه في البلاد التونسية والتي تشهد بمشاعر المودة العميقة المتواصلة الرابطة بين الشعبين التونسي والجزائري الشقيقين.

ووجه وزير الشؤون الخارجية للجمهورية الجزائرية الديمقراطية والشعبية إلى السيد الحبيب بورقيبة الإبن دعوة للقيام بزيارة رسمية إلى الجزائر وقد قبلت هذه الدعوة بارتياح.

 

Laisser un commentaire

douze + 14 =